رأي

بين جولة الحرب الثانية والأولى في غزّة :بماذا تختلف وما هي الأهداف ؟ (جواد الهنداوي)

 

  د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز

ما كانت إسرائيل لتجرؤ على معاودة مجازرها  في غزّة ،بعد الهدنة ، ما لمْ تر ضوءا اخضر من اكثر من طرف ، وفي مقدمة الاطراف ،بطبيعة الحال ، الولايات المتحدة الأميركية .

 معاودة إسرائيل القتال وبأكثر من ضوء اخضر ،هذا يعني اكتساب الحرب ابعادا استراتيجية ،تتعدى أمن ومصالح إسرائيل ، لتشمل مصالح الصهيونية والنظام الدولي . هذا يعني ايضاً أن اهميّة حرب غزّة باتت  لا تقّلُ شأناً عن حرب أُوكرانيا ،فكلاهما ” حرب أوكرانيا و حرب غزّة ” يمثلان خطورة قصوى على النظام العالمي المحكوم من أميركا والناتو .

الاطار او البعد السياسي الاستراتيجي للحرب أصبحَ اكثر وضوحاً واهم من بعدها العسكري و نتائجه . خلال الايام السبع للهدنة ، قرأت أميركا المشهد العربي والاقليمي والدولي ،وتشاورت مع اسرائيل والحلفاء و الأصدقاء، فولِدَ قرار الاستمرار في القتل الجماعي ، ولكن بأحزمة نارية اقل قطراً و مساحة .

ليس مقبولاً للصهيونية العالمية وللنظام الدولي الأميركي ان يخسرا حربين في منطقتّن إستراتيجيتين ، قد يستطيعون ( واقصد الغربيين ) تبرير خسارتهم في أوكرانيا ، امام روسيا وهي قوّة عظمى ، وخسارتهم في سوريّة ، ولكن لا يستطيعون قبول وتبرير خسارتهم امام غزّة ، والتي تعني أفول إسرائيل .

 انتصار حماس في غزّة يعني صمودها وبقاءها على قيد الحياة  . و يدرك الغربيون واسرائيل أنَّ بقاء حماس على قيد الحياة واحتفاظها بأنفاقها وقدراتها ، سيجعلها اكثر قوةً في المستقبل ،كحال تجربة حزب الله في لبنان حيث ازدات قدراته و قواته سنة عن اخرى ،واصبح لاعباً إقليمياً عسكرياً وسياسياً .

تعّول أميركا وحلفاؤها من الاوربيين وغيرهم على احتواء صدمة الرأي العام الدولي ، و تعايشه مع صور ومشاهد القتل الجماعي . مؤشرات سياسية و ميدانيّة توحي بنوايا محور الاحتلال والاعتداء ( أميركا ،إسرائيل ،و حلفاؤهما ) على استعداده ( واقصد استعداد محور الاحتلال والاعتداء ) على توسيع جغرافية الحرب ،ولتكون حربا كبيرة  مع حزب الله ولبنان ، وحتى معَ إيران ! من بين هذه المؤشرات هو عدم سماح أميركا للعراق بدفع مستحقات إيران من بيع الغاز بمبالغ تصل إلى ١٦ مليار دولار ، وكذلك اندفاع إسرائيل في هجومها الآن ،وفي الجولة الثانية للحرب ،  بذات الشراسة والإجرام ، غير مكترثة بردود الفعل الشعبية والدولية والامميّة. من المؤشرات ايضاً اعتداءات أسرائيلية متكرّرة على دمشق ،واستشهاد لمستشارين عسكريين من الحرس الثوري الإيراني في سوريا ،و باعتراف من ايران .

ابتدأت إسرائيل جولتها الثانية في حرب غزّة بغطاء سياسي اوسع . لماذا أوسعْ ؟ لأنَّ محور الاحتلال والاعتداء أصبحَ اكثر تشّدداً برفض قبول انتصار غزّة وانتصار محور المقاومة . المحور يعتبرُ انتصار غزّة انتصارا لايران . رأس المحور اقنعَ بعض أصدقائه من العرب بأنَّ هويّة الحرب في غزّة لم تعدْ فلسطينية ولن تكْ في المستقبل فلسطينية،و انما أيرانية وإسلامية .

ولنر،

 هل سيجتمع العرب في قمة اخرى ؟ هل ستجتمع الدول الإسلامية في قمّة اخرى ؟ لا اعتقد ذلك .

ستصاب اغلب الدول العربية و الإسلامية بداء التعايش مع القتل الجماعي في غزّة ، وتتكيّف مع الأمر الواقع ، وقد ظهرت بوادر هذا التعايش والتكيّف مع الأمر الواقع في مشهد مؤتمر المناخ ،الذي افُتتح في دبي امس في ٢٠٢٣/١٢/٢ ، وحضور رئيس الكيان الصهيوني ولقاءاته مع بعض قادة العرب .

ستجتهد كثيرا الماكنة الدبلوماسية والإعلامية لمحور الاحتلال و الاعتداء في قلب مشهد غزّة مِنْ هويته الفلسطينية المشروعة العادلة إلى هويّة ايرانيّة ، وستستخدم ” شماعة ايران ” مرّة اخرى ،لتخيف المرتجفين ولتهدّد المرابطين بأنَّ الانتصار في غزّة هو انتصار واستقواء لايران ، و أنَّ من مصلحتكم ” يا بعض العرب ” أنْ تنتهي الحرب بخسارة حماس ،او على الاقل ،لا غالب و لا مغلوب .

بالمقابل ، سيصّعد محور المقاومة ردّه ،وخاصة من اليمن ،وسيعّولُ على عامل الوقت ،وعلى اداء فعّال ونوعي للمقاومة في غزّة، إلى أن تتعبُ وتَكّلُ إسرائيل مرّة اخرى ،وتدّق أجراس بيوت الوساطة في قطر ومصر لهدنة اخرى ، تمر من خلال صفقة جديدة لأسرى بين الطرفين .

 

*    رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / في. ٢٠٢٣/١٢/٣ .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى