«حرب القيامة» الى يوم القيامة(نبيه البرجي)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
نعود بذهول الى ما قاله الفيلسوف الفرنسي ادغار موران منذ نحو 10 سنوات: «اذا اندلعت الحرب في الشرق الأوسط، فستبقى الى يوم القيامة». هل المصادفة وحدها وراء تسمية بنيامين نتنياهو حربه ضد لبنان بـ “حرب القيامة». قيامة العرب (ولا نظن ذلك) أم قيامة اليهود (لا نظن ذلك). اذاً من يرث الشرق الأوسط؟
محمد أركون كان يخشى ألا يستطيع العرب البقاء حتى ككائنات بشرية، الا في سراويل الآخرين، ومنذ أن أحرق الخليفة الأندلسي المنصور كتب ابن رشد عام 1190، وهي الكتب التي قال المستشرق غوستاف لوبون أنها كانت كـ «الشعلة الالهية» لانطلاق عصر الأنوار في أوروبا.
من العباءات المملوكية والعثمانية، الى السراويل الأنكليزية والفرنسية، ليستقر الحال (وأي حال؟) في الزمن الأميركي، ربما الزمن «الاسرائيلي». هكذا يكون الاجترار لذلك النوع من الاسلام، الذي تحوّل الى شظايا ايديولوجية رثة، بالإقامة الأبدية على تخوم الغيب، التي هي تخوم الغيبوبة ان لم نقل… تخوم العدم!
القضية الفلسطينية لم تعد بقضية الفلسطينيين، ولا بقضية العرب، الذين لا بقاء لهم الا على قارعة القرن. هل حقاً أن كل تلك الدماء تذهب هباء في اللعبة الأميركية، التي كانت وراء ظهور ما دعته صحفها آنذاك «مجانين الله» (الجماعات الأصولية)، لتعقبها الصحف الأوروبية بالحديث عن الصراع العبثي بين «مجانين يهوه» و “مجانين الله».
أكثر من فيلسوف يهودي أميركي، يرى أن اليمين في «اسرائيل» ذروة الغباء الايديولوجي، والسياسي. اذ كيف للدولة اليهودية أن تربط بقاءها بالإمدادات الأميركية اليومية، دون أي اعتبار للتفاعلات الزلزالية في الشرق الأوسط، والتي يمكن أن تقلب المشهد رأساً على عقب. البديل في مد اليد لا الخنجر الى العرب. ولكن متى اعترف ذلك اليمين بوجود العرب. ولطالما استعدنا قول الجنرال رفاييل ايتان «العربي الجيد هو العربي الميت».
لا شك أن الأميركيين يتفردون بإدارة كل تفاصيل الصراع في الشرق الأوسط. ومن هذه المنطقة بالذات يبدأ صراعها حول قيادة العالم، ليقال لنا ان الأيام التي تفصلنا عن «الثلاثاء الكبير» ـ حين يتوجه الأميركيون الى صناديق الاقتراع ـ هي فقط ستكون «الأيام الأكثر جنوناً» في أوديسه الدم والخراب. تشومسكي ترى أن الولايات المتحدة التي أخفقت في حروبها، ومن شبه الجزيرة الكورية، الى الهند الصينية، ثم الى افغانستان والعراق، أخذت بنظرية الجنرال ديفيد بترايوس حول الحرب بالوكالة.
الفرنسي أوليفييه روا قال «أميركا تصعد والعالم يهوي». لا أحد هناك على امتداد القرن سوى الأمبراطورية الأميركية. الترسانة العسكرية التي يزمع شي جين بينغ بناءها، لن تكون أكثر من نسخة عن ديزني لاند. الأميركيون دخلوا فعلاً في مرحلة ما بعد التكنولوجيا، الى حد ما الى ما بعد الكائن البشري. المنظّر الجيوبوليتيكي الروسي ألكسندر دوغين يخالف الرأي «العالم يصعد وأميركا تهوي».
على صفحات «هاآرتس» أسئلة كثيرة: ماذا إذا تخلت الولايات المتحدة ولو ليوم واحد عن «اسرائيل»؟ لا شك أن الحقائب ستتكدس أن على أرصفة المرافئ أو على ابواب المقابر. ولكن لماذا يفترض بالعرب وحدهم، الا عرب الحرملك، أن يكونوا ضحايا اللعبة الأميركية، وقد شرّعوا أبوابهم وثرواتهم (وعروشهم) لأميركا، لكأنهم يتوجهون بالصلاة الى الكابيتول لا الى الكعبة.
لا يمكن استيعاب وصف بريسكوت بوش، والد جورج بوش الأب، وهو سياسي ومصرفي، للنبي العربي، منتهى الفظاظة والفظاعة، لنكتشف الى أي مدى تمكن «الحاخامات» من اختراق اللاوعي الديني والسياسي (ولاحقاً اللاوعي الاستراتيجي) لدى الأميركيين، سواء كانوا في ناطحات السحاب أم كانوا في الأقبية.
من هنا، كان استخدامهم للدول الاسلامية ـ كمصطلح افتراضي ـ والدول العربية، من العراق الى ايران وتركيا وباكتستان (حلف بغداد ثم الحلف المركزي) لمواجهة الشيوعية، بدعوى أنها الايديولوجيا المعادية للاسلام، دون أن ندري اذا كان كارل ماركس اليهودي الألماني داخل بيئة مسيحية قد فكّر يوماً بالإسلام أو االمسلمين، الذين كانوا وما زالوا ماضين في الانحطاط.
لا انسان في العالم العربي ولا في العالم الاسلامي، وحيث التعليب السياسي والايديولوجي المروع، ليبقى الرهان على أولئك الرجال الذين يواجهون آلهة القرن، من أجل انتشال الشرق الأوسط من القاع، قاع الأمم. لهؤلاء فقط ننحني…