بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز
تمضي الصين بمشروع الحزام والطريق منذ العام 2013 الذي تبلغ كلفته حوالي تريليون دولار ،والذي يهدف الى ربطها بالدول المحيطة بها ودول الشرق الاوسط وصولا الى اوروبا وافريقيا ،من خلال بنية تحتية ضخمة، أحداها هي شبكة النقل التي تربط مقاطعة تشينغيانغ الصينية وصولا الى ميناء غوادار الباكستاني على بحر العرب. وتبلغ كلفة هذا المشروع حوالي 64 مليار دولار، وكانت باكستان اتهمت الولايات المتحدة بالتواطؤ مع الهند لتخريب مشروع الممر الاقتصادي الضخم هذا .
أما في الواقع فتعود مخططات الولايات المتحدة الى ما قبل العام 2013 ،اي قبل تبني مشروع الحزام والطريق من قبل الصين، وما جرى ويجري منذ عام 2003 عام دخول الولايات المتحدة الى العراق كان الهدف الاساسي فيها أمران ، الاول السيطرة على مصادر الطاقة ، والثاني السيطرة على الممرات . وكان موضوع دفع النظام الأوكراني للتصرف بعنصرية مع الروس المقيمين في بعض المقاطعات ،هو ابتزاز للدولة الروسية ودفعها باتجاه تأمين الحماية لهم لتتخذها الولايات المتحدة حجة لفرض عقوبات عليها وتفجير أنابيب الغاز التي تصل الى أوروبا وتخريبها ومنع أوروبا من تشبيك علاقاتها الاقتصادية مع روسيا ضمن علاقة استراتيجية ، فهذا الامر لا يناسب الولايات المتحدة الاميركية لا سياسيا ولا أقتصاديا.
فروسيا كانت قبل العام 2022 تصدر حوالي 163 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الرخيص الى الاتحاد الاوروبي .وقد تراجعت الكمية الى 100 مليار متر مكعب عام 2022 ، ووصلت الى 17 مليار متر مكعب عن الاشهر التسعة الاولى من العام 2023 . هذا التراجع صب بالتأكيد في مصلحة الولايات المتحدة الاميركية ولصالح شركات الطاقة الاميركية والتي قامت بتصدير الغاز المسال المرتفع الكلفة للاتحاد الاوروبي لتعويص النقص .
كما ان حركة الصين ومشروعها ،مشروع الحزام والطريق الذي يربطها مع اوروبا من خلال العديد من الممرات، لم يعجب الولايات المتحدة، فتصدت له من خلال مشروع الطريق الهندي والذي لن يكتمل الا من خلال تطبيع علاقات دول الخليج مع الكيان الاسرائيلي وأقامة قناة بن غوريون . لذلك رأينا الضغط على مصر للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لتحويل الممر المائي الى ممر دولي بعد ان كان ممرا خاصا بمصر ، فجزيرة صنافير تبعد عن الاراضي المصرية حوالي 2.5 كلم ، وجزيرة تيران تبعد حوالي 6 كلم ، بينما تبعد تيران عن المملكة العربية السعودية حوالي 3.7 كلم . هذه المقاييس حولت الممر الى ممر دولي لا سيطرة لأي دولة عليه . كما رأينا هذا الهجوم على غزة لطرد وتهجير الفلسطينيين من القطاع كون القناة المتعرجة التي لا تمر بالقطاع تكلف الكثير وتحتاج الى ضعف الوقت لإنجازها بسبب التضاريس التي ترتفع في بعض نقاطها الى حدود 350 متر .
كما نشير هنا الى أن علماء جيولوجيا وخبراء اقتصاد في الدراسة التي أجرتها “الأونكتاد” أن الأراضي الفلسطينية المحتلة تقع فوق خزانات كبيرة من ثروة النفط والغاز الطبيعي. وبحسب الدراسة التي حملت عنوان التكلفة الاقتصادية للاحتلال للشعب الفلسطيني: النفط والغاز الطبيعي غير المحققين، فإن الغاز الموجود قبالة سواحل غزة والنفط الموجود في أراضي الضفة يمكن أن ينتج حوالي 524 مليار دولار أميركي من شأنها أن تعزز السلام والرخاء الاقتصادي في المنطقة. وتقول الدراسة إن هذه الأموال يمكنها أن تمول التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة كجزء من خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.
لذلك كان الهجوم على غزة وسيكون مشروعا دائما للكيان يضاف اليه ما تحويه شواطئ غزة من كميات من الغاز كبيرة جدا ،وما جرى اكتشافه رغم المضايقات يتجاوز 40 مليار متر مكعب من الغاز ، يضاف اليه حاجة الكيان الاسرائيلي لشواطئ غزة لبنيتها التحتية وتمرير انابيب الغاز من خلالها الى مصر .
المؤسف هنا الانقسام الكبير لدى الدول العربية بهذا الخصوص، رغم ان العديد منها الذي يماهي الولايات المتحدة، هو متضرر من هذه المشاريع مثل مصر ، لكن يبدو ان الضغوط كبيرة جدا على هؤلاء الزعماء، وبالتالي هم غير قادرين على مواجهتها ، ويبقى الامل الوحيد هو المقاومة من قبل شعوب هذه المنطقة .