“حرب الجثامين” في الجنوب ..وتراث الأئمة !(نسيب حطيط)

كتب د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
يستمر التحالف الأميركي-الإسرائيلي بحربه الشاملة على “المجتمع المقاوم” أحياءً وأمواتاً، ويمكن تسميتها “حرب الجثامين” ، حيث منع العدو الاسرائيلي رجال الإسعاف من نقل الجرحى وابقاهم تحت النار ينزفون حتى الإستشهاد، ثم منع القوات الدولية والصليب الأحمر من نقل جثامين الشهداء حتى تحلّلت وصارت أشلاء، ولم يبق منها الا بعض أثر ،ثم طارد الموتى في مقابرهم ،فقصف قبورهم وجرفها لمعاقبتهم بمفعول رجعي ،لأن ابناءهم لا زالوا يحملون السلاح وتجرأوا على هزيمة العدو في العام 2006 ولم يستسلموا ولم ينهزموا في حرب ال66 يوما، ولم يفرّوا ،فإستشهدوا جميعاً. 3000 استشهادي تناثروا بين بيوت وحقول القرى الحدودية ومنعوا 50,000 جندي إسرائيلي من الوصول الى الليطاني!
ان الحرب الإسرائيلية-الأميركية على الجثامين هي حرب نفسية، تحاول كسر الروح المعنوية وطعن كرامة الشهداء وقلوب الأمهات والاباء والزوجات والأهل والأصدقاء، لإعتقاد العدو، أن مشهد الأهل والأطفال وهم يفتشون عن اشلاء احبابهم، سيهزمهم معنوياً ويردعهم ميدانيا ويُدخل الخوف في قلوبهم حتى لا يحملوا السلاح ثانية، كما كان يفعل في حربه النفسية بنشر الإنذارات قبل القصف وفيديوهات قتل المجاهدين بالمسيّرات لإظهار تفوقه ولترهيب الآخرين .
ان مشكلة الأعداء والخصوم ، أنهم لا يفهمون عقيدة من يُقاتلون، ولا بد من تذكيرهم بما قاله الضابط “غيرشتاين” أحد قادة لواء “غولاني” في الجنوب والذي اغتالته المقاومة في الجنوب عام 1999، والذي كان خبيراً في العقيدة الشيعية وقد استشاره “اسحاق رابين” وزير الدفاع قبل عملية “ميدون” عام 1988 حيث عارض “غيرشتاين” إجتياح ميدون مبرّراً ذلك بأن (الضربة الكاسرة لحزب الله ،ستؤدي إلى استخدام الحزم، وهو ما يَبرع فيه، وهو ربط الهزيمة وقتلاه بالتراث الشيعي وبكربلاء والحسين، ما يعزز عملية استقطابه لمقاتلين جدد بأضعاف ما سنقتل له”)!
ان التاريخ الشيعي ،حافل بالحرب على جثامين أئمته(ع) وعلمائه وقادته . فمن الحرب على جنازة الإمام الحسن (ع) وإصابة جثمانه الطاهر بالسهام ومنع دفنه، الى جثمان الإمام الحسين(ع) المقطوع الرأس والذي رضّت صدره حوافر الخيول وتُرك في العراء ثلاثة أيام، الى الإمام موسى الكاظم(ع) الذي بقيت جنازته ثلاثة أيام على جسر بغداد من دون ان يجرؤ أحد على دفنه، الى “زيد الشهيد” الذي صُلب جثمانه ،ثم أُحرق وذرّ رماده في نهر الفرات، الى “الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي” الذي قُتل بالسيف ثم صُلب ثم رُجم وأُحرق بدمشق، والشهيد الثاني”زين الدين العاملي” الذي قُطع رأسه وأُلقي جثمانه في البحر، الى السيد “موسى الصدر” الذي لا نعرف له جسداً في زنزانة او جثماناً في صحراء او قبراً في ارض معروفة!
ان التاريخ الشيعي مليء بالأحزان والمطاردة والمظلومية، وقد استطاع الشيعة تحويل “الحرب على الجثامين” الى حافز للمواجهة والمقاومة والصمود، وتحوّلت بعض قبور الجثامين المقدسة للأئمة(ع) الى قلاع للدفاع عن العقيدة وعن أهل الدين وعن المظلومين، مهما كانت عقائدهم ودينهم ،بل تحوّلت قبور هذه الجثامين الى واحات عبادة وعلم وتكافل ومنارات مضيئة على المستوى الإنساني وقلاعاً للدفاع عن الدين بمواجهة الاعداء والغزاة والتكفيريين.
ان جهل الأعداء بجوهر عقيدة أهل المقاومة، تُوقعهم في خطأ المواجهة ،حيث يعتقدون انه يمكن هزيمة المقاومين بالقصف والتدمير وجرف المقابر ومنع دفن جثامين الشهداء والحصار، وهذه أمور مادية لا يمكن تسخيف خسارتها او تجاوزها ،فهي تؤثر على معيشة الناس وزيادة متاعبها ومصاعب الحياة ، لكنها لا تؤثر في جوهر الفكر المقاوم ،وتتحول الى ضوء وشعلة وحافزاً وسبباً لإستمرار المقاومة.
فليستمر الأعداء الأغبياء بإستفزاز مشاعر الناس والإعتداء على عقيدتهم وكرامة أحبّتهم الشهداء، وستنقلب الأمور عليهم ،فبدل ان ينفضّ الناس عن المقاومين سيحتشدون لحمايتهم والدفاع عنهم، بل وبعض المرات سيتجاوزون عن اخطائهم وسيبادرون لرعايتهم وإحتضانهم سواء كانوا شهداء أو احياء!
إذا استمر الأعداء والخصوم ، بالحرب على “الجثامين” فإنهم يرتكبون خطاً كبيراً ستكون نتائجه ، لصالح “المجتمع المقاوم”…