كتب حلمي موسى من غزة:
أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الأمريكيين بعد حديثه الأخير مساء أول أمس أنه “يرفض الإملاءات بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين”. وفي ظل الأحاديث المتزايدة في وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية عن خطة دولية تناقشها إدارة بايدن لتسوية إقليمية سريعة على أساس حل الدولتين يتفاقم الخلاف، ليس فقط بين نتنياهو وإدارة بايدن، وإنما أيضا داخل حكومة نتنياهو.
ونشر المراسل السياسي للقناة 13 عن عاصفة نشأت خلال اجتماع المجلس الوزاري السياسي والأمني عندما أخبر نتنياهو الوزراء أنه يعمل على إعداد وثيقة “لليوم التالي” تتضمن موقفا من الدولة الفلسطينية.
وكان نتنياهو قد استغل اجتماع المجلس الوزاري المصغر الذي عقد ليلة الخميس/الجمعة لمناقشة قضية تبادل الأسرى لإجراء مكالمة هاتفية مطولة مع الرئيس بايدن. وحسب “يديعوت أحرنوت”، في نهاية المحادثة، نقل نتنياهو رسالة إلى الأمريكيين، وقال إن “إسرائيل صريحة وترفض الإملاءات بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين”، في ظل التقارير التي تفيد بأن إدارة بايدن تروج مع الدول العربية لخطة خاطفة لإقامة دولة فلسطينية.
وفي تغريدة على حسابه في موقع “تلغرام” بعد محادثته مع بايدن قال نتنياهو: “لقد أوضحت في اجتماع مجلس الوزراء موقفي من الحديث الأخير عن فرض دولة فلسطينية على إسرائيل”. وأوضح أن “إسرائيل ترفض بشكل قاطع الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين”، لكنه لم يستبعد إمكانية التوصل إلى تسوية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين: “مثل هذه التسوية لن تتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين. الأطراف دون شروط مسبقة”. وأضاف نتنياهو: “إن إسرائيل ستواصل معارضة الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية. ومثل هذا الاعتراف في أعقاب مذبحة 7 أكتوبر سيعطي مكافأة كبيرة للإرهاب غير المسبوق ويمنع أي تسوية سلمية في المستقبل”.
وجاء إعلان نتنياهو، بعد أن كانت صحيفة “واشنطن بوست” ذكرت أمس الأول أن الولايات المتحدة ومجموعة من الدول العربية تحاول الانتهاء بسرعة من خطة مفصلة وشاملة للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك وضع جدول زمني محدد لإقامة دولة فلسطينية. وذكرت الصحيفة الأمريكية أن البرنامج قد يتم الإعلان عنه خلال أسابيع قليلة.
وبحسب التقرير فإن إلحاح محاولة استكمال مثل هذه الخطة يرتبط بشكل مباشر بمحاولة وقف القتال في غزة وإطلاق سراح الأسرى. وقال مسؤولون أميركيون وعرب إن وقف إطلاق النار المبدئي، الذي ينبغي أن يستمر ستة أسابيع، سيوفر الوقت لنشر الخطة وحشد الدعم واتخاذ بعض الخطوات الأولية لتنفيذ الخطة، بما في ذلك تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة. ويأمل مخططو البرنامج أن يتم التوصل إلى صفقة التبادل حتى قبل بداية شهر رمضان، خلال أقل من شهر. وقال مصدر أميركي للصحيفة إن “المفتاح هو صفقة التبادل”.
غير أنه ما أن نشرت مثل هذه الأنباء عن خطة الدولة الفلسطينية جتى أعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية رفضه لها. وقال آفي هايمان، المتحدث باسم العلاقات العامة للديوان، في مؤتمر صحفي للصحفيين الأجانب: “هذا ليس الوقت المناسب للحديث عن توزيع الجوائز على الفلسطينيين”. وبحسب قوله فإن إسرائيل لا تزال في “فترة ما بعد كارثة 7 أكتوبر”. وأضاف: “الآن هو وقت النصر، النصر الكامل على حماس، وسنواصل طريقنا نحو النصر”. كما كرر الرسالة التي يحرص نتنياهو على ترديدها في تصريحاته: “كل الحديث عن اليوم التالي سيكون اليوم التالي لحماس”.
ولكن رد فعل قادة ائتلاف نتنياهو كان بالغ الشدة ضد الخطة. وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش: “لن نوافق بأي حال من الأحوال على هذه الخطة التي تقول في الواقع إن الفلسطينيين يستحقون مكافأة على المذبحة الرهيبة التي ارتكبوها بحقنا: دولة فلسطينية وعاصمتها القدس”. وكتب وزير الأمن الوطني إيتمار بن جفير: “إن نية الولايات المتحدة ومعها دول عربية أخرى إقامة دولة إرهابية إلى جانب دولة إسرائيل، هو وهم وجزء من المفهوم الخاطئ بأن الطرف الآخر لديه شريك للسلام. “.
وعلق وزير التربية والتعليم يوآف كيش على التقرير ، وقال لموقع “واينت “: “نحن معنيون فقط بالانتصار على قطاع غزة وتدمير قدرات حماس وإعادة المختطفين. وأي حديث عن مكافأة من هذا النوع أو سواه لهؤلاء القتلة ليس في واردنا على الإطلاق”. كما أعرب الوزير جدعون ساعر (معسكر الدولة) عن معارضته: “لقد حذرت من الخطة الخطيرة التي تتشكل للاعتراف الدولي الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية. هذه الخطة لن تحل الصراع فحسب، بل ستجعله مستعصيا على الحل”.
ويبدو أن مجرد الحديث عن اليوم التالي والدولة الفسطينية بات يثير سعارا داخل الحكومة الإسرائيلية. وهذا ما كشف عنه المراسل السياسي للقتناة 13 عندما أشار نتنياهو إلى الدولة الفلسطينية فعمت الفوضى اجتماع المجلس الوزاري المصغر. وبحسب هذه القناة فإن نتنياهو أبلغ أعضاء المجلس أنه يعمل على إعداد وثيقة “لليوم التالي” تتضمن موقفا من الدولة الفلسطينية. وما أن قال هذه الكلمة حتى قاطعه الوزير بيني غانتس وقال: “لا نجري مناقشة قراءة حول قضية مهمة كهذه يجب طرحها أولاً في كابينت الحرب ومناقشتها هناك. للعلم، يمكننا أن نقول لجميع المسربين لنقاشات المجلس أنني أعارض قيام دولة فلسطينية”. بعد ذلك، انتقد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش كلمات غانتس وادعى: “ستتم مناقشة هذه القضية هنا، إنها ليست قضية لكابينت الحرب.”
وكانت معاريف كشفت قبل نحو أسبوع عن قلق المسؤولين السياسيين في إسرائيل من النشاط المكثف الذي تقوم به الولايات المتحدة للترويج لفكرة إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل حكومة موحدة. وسيكون ذلك على أساس ما يعرف بـ “السلطة الفلسطينية المتجددة”. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، تدرس وزارة الخارجية الاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من مبادرة سياسية شاملة، في إشارة إلى اليوم التالي لحكم حماس في غزة.
من جانبه رأى المراسل السياسي لموقع “والا” باراك رافيد أن حكومة نتنياهو تشعر بقلق بالغ من أن احتمال تنفيذ إدارة بايدن لخطوة أحادية للاعتراف بالدولة الفلسطينية أو السماح بمثل هذه الخطوة في مؤسسات الأمم المتحدة، وبالتالي قلب السياسة الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة والتي دعمت إنشاء دولة فلسطينية فقط نتيجة لمفاوضات مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وأشار إلى أن الوزيرين اليمينيين المتطرفين في الحكومة، سموتريتش وبن جفير، يدفعان إلى اتخاذ خطوة أولية في شكل قرار رسمي لمجلس الوزراء تكون بموجبه سياسة الحكومة الإسرائيلية معارضة للدولة الفلسطينية. ومعروف أن نتنياهو تقلب في مواقفه في العقدين السابقين بين تأييده لدولة فلسطينية محدودة السيادة ومعارضته لها، وعمد طوال الوقت إلى تجنب اتخاذ قرار رسمي بهذا الشأن.
وقد رحبت افتتاحية “هآرتس” بأنباء الخطة الجديدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية وكتبت: “أفادت “واشنطن بوست” أمس بان الولايات المتحدة وبعضا من الدول العربية تتطلع لان تعرض في غضون بضعة أسابيع خطة بعيدة المدى للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك اطار زمني لاقامة دولة فلسطينية. وقالت مصادر أمريكية للصحيفة انه حسب المخطط يتم الإعلان عن هدنة في القتال في قطاع غزة لمدة ستة أسابيع، وفي هذه الفترة الزمنية تعرض خطة السلام علنا وتتخذ الخطوات الأولى لتنفيذها، بما في ذلك إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة.
ورأت أن “هذه كفيلة بان تكون أنباء طيبة لا مثيل لها لدولة إسرائيل اذا ما تحققت بالفعل هذه النية في أفعالها، واذا ما استجابت إسرائيل للتحدي. الكرة توجد أولا وقبل كل شيء في يديها. هذه ستكون فرصة حياتها، الفرصة الكبرى وربما الأخيرة لها لتغيير وجهها وفرص اندماجها في المنطقة. مشكوك أن تعود فرصة مثلها.
“لهذا الغرض على إسرائيل أن تغير بسرعة سياسة الرفض طويلة السنين لديها. تغيير لا يمكنه أن يحصل تحت الحكومة الحالية برئاسة محبط السلام بنيامين نتنياهو. فقد اصدر مكتبه منذ يوم امس بيانا يقول ان هذا “ليس الوقت لتوزيع الهدايا عليهم”. يجب أن تقام بسرعة حكومة أخرى، لا تفوق حجم الفرصة والساعة. “نعم” إسرائيلية واضحة وجلية لمباديء الخطة هي أمر واجب الواقع، اذا ما كانت إسرائيل محبة للحياة والتغيير. التفكير في أنه الى الابد ستعيش الدولة على حرابها، مهما كانت متطورة وذكية، تحطمت في 7 أكتوبر. وعليه فلا يمكن الاستخفاف بمصيرية سياسة تدفع فيها قدما مبادرة دولية كهذه. “