رأي

حتى محكمة الجنايات الدولية قد تُتهمْ قريبا ب “معاداة الساميّة” !(جواد الهنداوي)

 

د. جواد الهنداوي – الحوار نيوز

 

أصدرت المحكمة ، في ٢٠٢٤/٥/٣ ، تحذيراً إلى الأفراد الذين يهددون بالانتقام منها او من موظفيها ،وذلك في بيان نشره مكتب المدعي العام للمحكمة ،على موقع ” إكس ” ، ذاكراً في البيان أن استقلال وحياديّة المحكمة يتم تقويضهما عندما يُهدِدُ افراد بأتخاذ اجراءات انتقامية ضد المحكمة او ضدَ موظفيها في حال اتخاذها قرارات بشأن تحقيقات تقع ضمن صلاحيات المحكمة .

بيان المحكمة اشار إلى تهديدات مصدرها ” أفراد ” فقط ، ولكن في الحقيقة ،هي تهديدات مصدرها ” جهات ” أَو مؤسسات ،او افراد ولكن بصفتهم الرسميّة .

مَنْ ذا الذي يجرؤ على تهديد المحكمة او موظفيها ؟

مَنْ له المصلحة في تهديدها غير مرتكبي جرائم  حرب او جرائم ضدَ الإنسانية او جرائم إبادة ، والذين يخشون او ينتظرون الاتهام والملاحقة ؟

مَنْ منّا لا يتذكر تهديدات الرئيس الأمريكي السابق ترامب للمحكمة بعرقلة مهمة تحقيقاتها في افغانستان وفلسطين، حول سلوك مواطنين امريكيين و اسرائيلين ؟ حينها ألغت الولايات المتحدة الأميركية تأشيرة المدعية العامة للمحكمة عام 2019 انتقاماً ،ما أُعتُبر آنذاك تحقيق محتمل في افغانستان . وقتها ،انتقد ريتشارد ديكر ، مدير برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتش ووتش، قائلاً: ” تجميد الأصول وحظر السفر هي لمنتهكي حقوق الإنسان وليس للذين يسعون لتقديم منتهكي حقوق الإنسان إلى العدالة” .

 جاءَ بيان المحكمة التحذيري لسببين : الاول وهو احتمال استلام المحكمة او أحد من كوادرها تهديدا لفظيا او خطيا ،والثاني وهو مؤكّد ومفاده انَّ امريكا و إسرائيل يستعدان لممارسة ضغوط على المدعي العام للمحكمة لثنيّه عن توجيه اتهام لنتنياهو ومجموعة اخرى من الضباط بسبب الجرائم التي ارتكبوها في غزّة .

 حسبَ المعلومات ، المحكمة في وارد اجراء التحقيقات اللازمة لتوجيه اتهام بجرائم الإبادة ضد نتنياهو ووزير دفاعه، وتشير المعلومات والتي أفصحت عنها بعض الصحف إلى أنَّ نتنياهو طلبَ من الرئيس الأمريكي التدخل لدى النائب العام من اجل الحيلولة دون توجيه اتهامات وإجرّاء تحقيقات ، قد تقود إلى اصدار مذكرات اعتقال بحق قادة اسرائيليين ،وبحسب موقع إكسيوس الأمريكي . وحسب الموقع نفسه ، المحكمة تستعد لاصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه غالانت ورئيس الأركان هاليفي .

 ليست فقط الادارة الأمريكية مَنْ تمارس الضغط على المحكمة ،وانما اعضاء من الديمقراطيين والجمهورين في الكونغرس الأمريكي تواصلوا مع مسؤولين في المحكمة لغرض استشراف الموقف ،وربما التهديد لثني المحكمة عن مسار المضي في اجراءاتها .

في السياق نفسه ،أبرزت مجلة ” ي إيكونومست ” البريطانية ، حالة الذعر والرعب التي يعيشها نتنياهو جرّاء توارد المعلومات عن نيات محكمة الجنايات الدولية تجاهه  ( انظر صحيفة رأي اليوم الإلكترونيّة ،/2024/5/3 ، خبر عن الموضوع ،بعنوان ،” نتنياهو لا يعرف إلى أين يتجّه ” .

ماذا تقصده المحكمة ،وهي مؤسّسة قضائية أممية ، من نشر بيانها ،والذي تعلن فيه ،للعالم ،انها مُهّدَدة ؟.. ويأتي نشر البيان ،في وقت تستمر التظاهرات الطلابية التي تجوب العالم استنكاراً وتنديداً بسياسات امريكا وإسرائيل ،المزعزعة لاستقرار و أمن العالم .

تريد المحكمة كشف الحقائق امام العالم ،و ان تضعه امام مسؤوليته في الحفاظ على استقلالية وحياديّة القضاء الدولي .

نشرها البيان هو مؤشر على ارادة المحكمة في تطبيق العدالة وكشف الحقائق ،وعدم خضوعها للابتزاز .

سياسات امريكا وإسرائيل تجاه القوانين والتشريعات الدولية، ومنظمات الامم المتحدة والمحاكم الدولية تقود ،للأسف ،إلى تقويض دور وعمل المنظمات الدولية .

ماذا لو وجّهت محكمة الجنايات الدولية تهماً للقادة الإسرائيليين ولنتنياهو بارتكاب جرائم في غزة ،و اصدرت بحقهم مذكرات القاء قبض ؟

هل ستتهم المحكمة بمعاداتها للسامّية ؟

* سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل  

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى