د. أحمد عياش – الحوارنيوز
الموت حق، واجمل ما فيه انّه سيمرّ علينا جميعا،لن ينسى احد.
المأساة كانت صاعقة لو ان فئة منّا خالدة وفئة اخرى زائلة.
الحمدلله انه قهرنا جميعا بالموت.
سنحيا وسنهرم وسنمرض وسنتمنى الموت لنرتاح.
طبيعيّ ان نخلي المكان لأجيال أخرى تختار طريقها بارادتها لتدفع بالمجتمع ككل نحو الافضل.
هل نحن الآن في الأفضل من الامس ام نحن في الأسوأ؟
نحن في الأسوأ.
جيل السيد حبيب صادق لم يتوانَ ولم يتقاعس ولم يهادن ولم ينكفء للحظة ، بل ناضل وجاهد وكافح وضحّى و دفع الاثمان الغالية لنكون في حال افضل.
وكدنا ان نكون في حال افضل لولا تآمر الكثيرين على اليسار الحقيقي لا المزيف.
السيد جبيب صادق كان واحدا من اركان اليسار النظيف الطاهر.
جيل السيد حبيب صادق جيل الآباء والأجداد الذين كدّوا ليعلّموا ابناءهم واحفادهم، ليرفعوا من مستوى الوعي الفردي والجماعي .
وقد نجحوا فعلا. فقد حققوا نقلة نوعية علمية وثقافية وفنية واجتماعية وحتى عاطفية في مجتمع حمّله بعض المغامرين اكثر مما يحتمل ،وصولا الى حالة الإفلاس والتقهقر الاجتماعي العام.
اساتذة سنوات الخمسين والستين والسبعين لم يتعبوا يوما في سبيل النهضة اللبنانية-العربية، حتى النهضة الاممية.
كان المبدأ عاليا علوّ قامات ادبية وشعرية مميزة.
مقاومة العدو الأصيل بدأت مع هذا الجيل الطامح. فقد اسسوا لحرس شعبي ليحمي الحدود منذ اول سنوات السبعين من القرن العشرين.
كان اليسار هدف كل المؤامرات لتشويهه حتى نجحوا في اشعال سراج الطائفيين واطفاء نور اليساريين الاقحاح.
و زرعوا بينهم الغاما بشرية ادعت اليسارية ،وعند اول منعطف طريق ارتدوا فكانوا اليساريين المرتدين.
الا ان السيد حبيب صادق لم يتغيّر،بقي في خندقه النضالي والمقاوم خلف قلمه وأدبه وشعره وافكاره وقد دفع الاثمان.
لا ندري لماذا لم يكن على لائحة الاغتيالات في سنوات الثمانين، يوم سقط اصدقاؤه ، من مهدي عامل وصولا الى حسين مروة.
ربما نسوه.
ربما احتاط للأمر.
ربما رعاه الله بلطفه.
السيد حبيب صادق وضّب حقيبته الثقافية والنضالية وغادر المكان.
ليس بالأمر السهل ان يبقى اليوم و في خضم اغراءات الخدمات المالية والمعيشية وفي خضم التهديدات بالتكفير وبالعمالة لكل رأي مختلف نفسا وقلبا يساريا ينبض البلاد.
ليس بالامر السهل ان يستمر البعض على قناعاتهم اللاطائفية كالقابضين على الجمر.
اليوم لا يحكم البلاد غير الطائفيين من كل الملل والنحل، فما هي النتيجة؟
افلاس دولة وبؤس عام وابادة جماعية مالية وفساد بلا رقيب ولا حسيب ولا عقاب.
وسام شرف على صدر الاديب السيد حبيب صادق الا يتهمه أحد بصفقة ولا بدجل ولا بنفاق ولا بتبعية ولا بعمالة في زمن الخيانات والخيبات.
المجد لخونة طوائفهم الذين ما اقتنعوا ان الناس تنقسم بين مسلمين ومسيحيين واستمروا على قناعتهم، ان الناس تنقسم بين سارقين ومسروقين، بين مستغِلين ومستغَلين،بين مال حرام ومال حلال،بين من لا يحترم القانون ومَن يستبيحه…
رحم الله السيد حبيب صادق .
من هنا ومن تحت شجرة زيتون محرّرة في بلدة حاروف وجالسا على تنكة نيدو صدئة ومطعوجة نتقدم بالعزاء من كل شرفاء البلاد .
آجركم الله.
-
يشيع الراحل حبيب صادق الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم الأحد في مدينة النبطية، جبانة روضة الصالحين