العالم العربيرأيسياسة

حاكميات التخلف العربيّ(عدنان عويّد)

 

د. عدنان عويّد – الحوارنيوز- خاص

 

إن النظر بعمق في واقعنا العربيّ المأزوم في تخلفه البنيويّ بكل مستوياته الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، يشير وبكل وضح هنا إلى أن هذه التخلف البنيويّ محكوم ليس بحاكميّة أصوليّة دينيّة فحسب، بل هو محكوم بحاكميّة أنظمة وضعيّة شموليّة أيضاً، يضاف إليها حاكميّة التخلف المعيش بكل مفرداته، إن كان على مستوى العرف والعادة والتقليد والثقافة الشفوية المشبعة بالنقل على حساب العقل، أو على مستوى حاكميّة الكثير من القوانين الوضعيّة التي فاتها الزمن والمطبقة على واقعنا الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ بفعل مصالح قوى اجتماعيّة محددة.

أقول: إن معظم ما طُرِحَ ويُطْرَحُ على الساحة الفكريّة العربيّة من قضايا فكريّة وفلسفيّة وأدبيّة تتعلق بالحداثة ومفرداتها، إن كان على مستوى الوطن والمواطنة والانتماء والقوميّة والديمقراطيّة والعقلانيّة والعلمانيّة والاستبداد والدولة الشموليّة والليبراليّة وقيمها، وما بعد الحداثة وطبيعة المجتمع الاستهلاكيّ ورأسماليّة الدولة الاحتكاريّة، والثقافة والمثقف، والمثقف العضويّ وغير ذلك ن قضايا تتعلق بتخلفنا ونهضتنا. فكلها تشير في الحقيقة إلى قضيّة أساسيّة هي: بأن هناك واقعاً عربيّاً متخلفاً ومأزوماً حضاريّاً، وقد تقدمت عليه الكثير من دول العالم وحتى بعض المتخلفة منها، ونحن للأسف لم نزل كـ (بول البعير) نرجع إلى الوراء، وبطريقة يندى لها الجبين، فواقعنا أكثر ما يقال عنه، أنه يعيش تحت مظلة أنظمة شموليّة استبداديّة، ذات توجهات مرجعيّة طائفيّة أو قبليّة أو عشائريّة مأزومة، كرست التخلف والفوات الحضاري لهذه الأمة وعمقته..

جوعت بعض هذه الأنظمة شعوبها وأفقرتها، ودفعت الملايين منها إلى الهجرة وترك الأوطان، ليبقى فيها المستفيدون من واقع هذا التخلف المزري وتجار الوطن والدم، والفقراء المعدمون الذين ليس لهم قدرة على ترك الوطن أو الدفاع عنه، وبعض الشرفاء في مواقع السلطة الذي كمن يقبض على جمرة من نار، فويله وطنه الذي يشعر بحالات ضياعه، وهو يرى يوميا كيف يتغلغل السفلة في مفاصل حياته السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة والثقافيّة،وويله أنه من موقعه في السلطة أو الإدارة غير قادر على صنع المعجزات، وفي كل يوم يقل عدد الشرفاء من أمثاله ليتحول الوطن إلى قبضة تجار الحشيش والمخدرات والسياسية والدم والوطنية.

من هنا تأتي أهمية الدعوة إلى العمل من أجل تغيير طبيعة الأنظمة السياسيّة القائمة، وهذه دعوة ملحة ولن تتحقق إلا بحراك شعبي يمثله كل القوى المقهورة والمشردة والجائعة والمستلبة والمهجنة.. حراك شعبي بعيد عن العنف والعنف المضاد. لقد أثبت حراك ما سمي بثورات الربيع العربيّ فشله الذريع بسبب غياب الوعيّ الثوريّ لدى الكثير من حملته الاجتماعيين، وخاصة عندما استخدم حملته العنف ضد هذه الأنظمة الشموليّة المشبّعة بمعرفة كل أشكال العنف الناعم منه والقاسي. فمثل هذه الأنظمة بحاجة لحراك اجتماعيّ واع لطبيعة النشاط السياسيّ السلميّ، وبأن الحل يكمن في هذا النشاط، كي لا يترك مجالاً لقادة هذه الأنظمة أن يجعلوا من حراك المعارضة قوى إرهابيّة، دون أن ننكر أن هناك من كان إرهابياً بكل معنى الكلمة في هذه المعارضة، إما ممارسة له، أو كونه فسح في المجال واسعا لدخول القوى الأصوليّة التكفيريّة تحت مظلة هذا الحراك، لفرض دولة الخلافة باسم الحاكميّة كداعش والنصرة والإخوان.

إن رفع شعارات الديمقراطيّة والعلمانيّة والحداثة بوجه هذه الأنظمة، سيجعلها ترضخ بالضرورة كونها مطالب حق، ولن تستطيع هذه الأنظمة اتهام دعاتها بالإرهاب أو الخروج عن القانون.

*كاتب وباحث – سوريّة

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى