جعجع واغتيال العميل الحايك
لطالما اعتدنا من سمير جعجع تلقي تصريحات وتحليلات وآراء مثالية متعالية لا تنسجم مع ماضيه وتجاربه وشخصيته. ولطالما تحمّلنا منطقه المستفز الغريب الذي لا يُستساغ بأي حال من الأحوال إلا من قِبل أتباعه الخلَّص، والزعيم في لبنان معصوم من الزلل والخطأ بين أتباعه وجمهوره وليس جعجع استثناء.
وآخر ما أتحفنا به رئيس حزب القوات اللبنانية موقفه الغاضب من اغتيال العميل انطوان الحايك واعتبار الأمر طعنة للدولة اللبنانية ومؤسساتها القضائية والأمنية. وليس الحديث هنا مباركة هذا الاغتيال أو لعنه، أو تأييده أو شجبه، مع عدم الغفلة في أن العميل المذكور كان سفاحاً تحت إمرة الفاخوري وتسبب في مقتل اثنين من المقاومين، وشارك مع من شاركوا في تعذيب وإذلال الكثير من اللبنانيين، وتنصّل مع من تنصّلوا من المحاكمة الجدية كعميل وقاتل ومجرم.
ولن نستغرب موقف الحكيم الذي يبدو كمدافع عن منطق الدولة وأمنها وقضائها، لكنه في واقع الأمر يشي بحقيقة كبرى كثيراً ما تناولها الكثيرون، وهي طبيعة العداوة مع إسرائيل، وجرم التعامل معها، وحجم عقوبة هذا الجرم إن وُجد.
فهل كان لجعجع ومن مثله موقف من قضية العميل فاخوري الأخيرة وتهريبه في طائرة أميركية سخرت من القانون اللبناني وأمنه وقضائه؟ ألم يحرّكه ومن مثله العبث بسيادة لبنان واستقلاله؟ أوليس الفاخوري كما الحايك خائناً مجرماً قاتلاً في وجدان جعجع ومن مثله؟
لقد أثار اغتيال الحايك غضب البعض، ومنهم جعجع، ولكن السؤال: ما الذي دعا إلى ارتكاب هذا الفعل وكأن مرتكبه يمثل الدولة في أمنها وقضائها؟ هل يحقّ لأي كان إصدار الأحكام والتنفيذ دون اعتبار لهيبة الدولة ومؤسساتها؟
لقد كان صبر الناس جميلاً أمام المحاكمات الصورية للمتعاملين مع إسرائيل، فلم يتعرّضوا لهم وهم يعيشون حياتهم بشكل طبيعي ولم يثوروا على الدولة ومؤسساتها، وقبلوا بأن يقلبوا صفحات الماضي الأليمة ورموزه الدموية لكيلا يمثلوا عنواناً سلبياً لمستقبل البلد وأهله. والجدير بالذكر أن الحايك انتسب بعد تعامله مع العدو إلى قوى الأمن الداخلي، وكأن عمالته أمر يصعب اكتشافه، ثم خرج من العقاب كغيره بعذر ودون عذر.
والأمر الجلل الذي أثار حفيظة الأسرى المحررين وعائلاتهم وجمهور المقاومة في كل لبنان تلك المسرحية السوداء التي أخرجت العميل فاخوري من السجن بحكم محكمة وتواطؤ مشبوه ثم تسريبه إلى الولايات المتحدة. وهذا ما حفّز بعض ضحايا العملاء، ومنهم الفاخوري والحايك، على اغتيال الأخير وتنفيذ ما لم تقم الدولة بتنفيذه.
ولا بد من التأكيد على أن العميل الخائن لا هوية له ولا طائفة أو مذهب أو ديانة، وقد كان التركيز على صورة السيدة مريم العذراء (ع) خلف صورة الحايك لكي يُحمَّل الاغتيال طابعاً طائفياً، وليقوم الحكيم شخصياً – كحامٍ لحمى المسيحيين- بالدفاع عن هذا المواطن المسيحي، وهذه صفته الأساس، متهماً جهة منظَّمة بارتكاب هذا الفعل، وهذه الجهة تنتمي لطائفة غير مسيحية.
وفي الختام، نأسف ونحن في وضع اقتصادي أليم، والوباء يتفشى في الجسم اللبناني، أن يطل علينا الحكيم ليزيد بإطلالته ألمنا، ويوسع فجوة خيبتنا، فكأن الوباء والغلاء والحجر في البيوت لا يكفينا، لكن وكما يقال: إن المصائب لا تأتي فرادى.