جعجع في القصر: بين الحنكة السياسية والنصيحة الخارجية؟
لم يكن حضور رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في قصر بعبدا اليوم ،مقتصرا على تلبية دعوة رئيس الجمهورية للمشاركة في اجتماع رؤساء الكتل النيابية لمناقشة الخطة الإصلاحية للحكومة ،بل تعداه الى خطاب سياسي منطقي أحرج حلفاء الحكومة وخصومها على السواء.
قد ينم هذا التصرف عن حنكة سياسية ،أو ربما عن نصيحة تلقاها جعجع من أصدقاء في الخارج ،إلا أنه في الحالتين نجح في تسليط الضوء على موقف القوات من أعلى منبر في الجمهورية ، وفي مرحلة تُعدّ من أصعب الظروف التي يمر بها لبنان في تاريخه الحديث.
واذا ما صحت نظرية النصيحة لجعجع بعدم مقاطعة اجتماع بعبدا كما فعل البعض،فإن في ذلك رسالة خارجية واضحة تُصرف لصالح الحكومة ،وقد يكون لها مفعول إضاءة شمعة في ليل لبنان الحالك.
أما اذا كانت الحنكة والحكمة السياسية هي التي دفعت "الحكيم" الى المشاركة احتراما لمقام الرئاسة،فقد عرف جعجع كيف يقطف المناسبة ويستغل الفرصة ويلعب سياسيا في ميدان يبدو فيه الجميع مرتبكا حتى حافة الضياع.
تحدث جعجع في القصر بكثير من الثقة عن رؤيته للخطة الإصلاحية فأكد ان "هناك خطوات مسبقة يجب أن تحصل قبل ان نقبل بهذه الخطة"، مشيرا الى ضرورة معالجة أربعة مواضيع على الأقل لكي تثبت الحكومة أنها أهل لمتابعة مسيرتها:
1- هناك 5300 موظف بشكل غير قانوني جرى حشرهم في الإدارة في ظروف انتخابية يفترض بالحكومة أن تعلق خدمتهم.
2- المعابر غير الشرعية التي تتسرب منها البضائع المنافسة للإنتاج اللبناني .وقد استشهد جعجع هنا بما أورده طلال أرسلان الحليف الأبرز لحزب الله داخل الاجتماع ،لجهة أن البضائع في الضاحية أرخص من الأسواق الأخرى.
3- موضوع ضبط الجمارك التي تضج التقارير بأنها تحرم خزينة الدولة من مداخيل تتجاوز المليار دولار سنويا بسبب الفلتان والرشوة.
4- موضوع الكهرباء "الذي تكلم عنه كل الكون وهو مكلف جدا ولا أحد يتصرف، وذلك بسبب فريق لا يريد التغيير".
لم يطلب جعجع من الحكومة التوغل في القضايا الكبرى التي تعجز أميركا وإسرائيل عن حسمها، كسلاح المقاومة ،وإنما اكتفى بمواضيع يبدو التمعن فيها قابلا لاتخاذ قرارات سريعة لا تحتاج الى مائة يوم ،ليخلص الى سؤال ضمني :ماذا فعلت الحكومة حيال هذه المسائل البديهية لكي تطرح خطة إصلاحية اقتصادية مالية كبرى لا يبدو تحقيق مضمونها مفروشا بالورود والرياحين؟
كثيرون قد يجارون جعجع في موقفه ،حتى من ألد خصومه.وثمة من سيسأل ببراءة أو بخبث:إذا كانت الحكومة عاجزة عن معالجة مثل هذه القضايا غير الشائكة ،مضافا اليها بعض الأمور الإدارية كالتعيينات والتشكيلات والمناقلات، فما الذي سيميزها عن غيرها من الحكومات التي شهدها لبنان خلال العقود الماضية ،والتي أسهم عجزها في الوصول الى ما وصلنا اليه؟ وبالتالي ما هو مبرر وجودها الذي بنيت عليه آمال عراض؟
في الخلاصة قد تكون الفرصة ما تزال سانحة أمام الحكومة لاتخاذ قرارات سريعة في قضايا كالتي تناولها جعجع ،وفي آجال قصيرة ،لأن الوقت لا يلعب لصالحها ،على الرغم من نجاحها في مواجهة الوباء الخبيث الذي يجتاح العالم.لكن الواقعية تحتم علينا القول إن "حكيم معراب" فتح الأعين على نقاش بات على الحكومة أن تواجهه بكثير من الجرأة والمغامرة .
صحيح أن القضايا التي طرحها جعجع سوف يتصدى أصحاب المصالح كالعادة لعرقلتها ،ولا ينكر أحد أن المصاعب التي تواجهها حكومة حسان دياب تبعث اليأس،لكن الحالة التي بلغها لبنان لا تحتمل الاسترخاء،قبل أن يستفحل الغلاء، ويصبح كيلو البندورة بعشرة آلاف ليرة.