جرائم التواصل الاجتماعي في لبنان بالأرقام:تشهير وتهديد واحتيال وابتزاز وقرصنة
كتب محمد هاني شقير:
حفلت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة بمناوشات كثيرة طالت عدة شخصيات سياسية واعلامية وفكرية. واتسمت تلك المناوشات بضحالة فكرية وثقافية واجتماعية؛ حيث ضاقت صدور الرواد من موقفٍ أو مقالٍ وحتى من صورةٍ ما.
فعندما جلس مارك زوكربيرج امام شاشة الكمبيوتر في حجرته بمساكن الطلبة في جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، وبدأ يصمم موقعًا جديدًا على شبكة الانترنت، كان لديه هدف واضح، وهو تصميم موقع يجمع زملاءه في الجامعة يمكّنهم من تبادل اخبارهم وصورهم وآرائهم.
تطور هذا المخلوق العجيب منذ ولادته سنة 2004 مكتسحا شاشات هواتفنا وأجهزة حواسبنا فدخل منازلنا وصار شريكنا في كل شيء، وتحول الى وسيلة أساسية بين ايدينا نُعَبِّر من خلالها عن هواجسنا واخلاقنا ومواقفنا وآرائنا. وفيما أصبح وسيلة لنشر صورنا وتفاصيل حياتنا اليومية، فإنه استخدم كوسيلة للاحتيال والابتزاز، فضلًا عن كونه وسيلة للتعارف والتزاوج.
كيف يستخدم الرواد اللبنانيون هذه الوسيلة؟ وما هي النتائج التي تترتب عن هذه الاستخدامات التي تندرج في إطار الجرائم الالكترونية؟
ينقسم عالم التواصل الاجتماعي وبخاصة الـ "فايسبوكيين" الى عدة أصناف من أهمها:
_ يستعمل جزء من الأشخاص صفحات التواصل الاجتماعي كوسيلة اخبارية يطلون من خلالها على الجمهور المتابع لهم، ويطلقون مواقفهم وشعاراتهم بشكل جدي ورزين.
_ يعاني بعض مستخدميها من نقص في حياتهم، وربما هم مأزومون نفسيًا، فجعلوها وسيلتهم للتعبير عن شخصياتهم المختلفة، وربما تمكنوا من خلال صفحاتهم من معالجة انفسهم والتحرر من ازماتهم.
_ تستخدمها فئة أخرى بطريقة غير لائقة، فيكتبون على جدارن وسائل التواصل الاجتماعي، ما لا يقبله منطق ولا عقل، حيث يشتمون بعضهم بعضًا، وتكثر هذه الظاهرة في المجال السياسي. وعندما يضيق صدر المستخدم من تصرفٍ أو سلوك أو موقف سياسي لمن يخالفه الرأي، يلجأ الى لغةٍ نابية انفعالية. وفي هذا السياق سجل سنة 2019، 567 حادث تهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمعدل شهري بلغ 47.25، واوقف بسببها 29 شخصًا، بينما سجل في سنة 2020، 532 حادث تهديد بمعدل شهري بلغ 44.33، واوقف بسببها 17 مرتكبًا، متراجعةً بنسبة 6.17 بالمئة سنة 2020 عن سنة 2019 . كذلك تراجع عدد الموقوفين بهذه الجريمة من 29 الى 17 أي بمعدل 41.37 بالمئة.
بالموازاة، فإن جريمة الشتم زادت لتسجل 380 حادثًا سنة 2019 بمعدل شهري بلغ 31.66، اوقف بسببها 20 شخصًا. ليرتفع عدد الحوادث المماثلة سنة 2020 الى 413 بمعدل شهري بلغ 34.41، واوقف بسببها 5 اشخاص فقط. فتكون نسبة الزيادة في اعداد الحوادث 8.68 بالمئة، في حين بلغ عدد موقوفيها 20 سنة 2019 ليتراجع الى 5 سنة 2020، أي بتراجع بلغت نسبته 75 بالمئة.
_ استخدم آخرون وسائل التواصل الاجتماعي بابًا "للرزق" بطريقةٍ مختلفة، حيث يقومون بعمليات احتيالية على المواطنين، وسجلت المئات من هذا العمليات في محاضر رسمية لدى المكتب المختص قوى الامن الداخلي، فيما بقيت أخرى بعيدة عن التوثيق بسبب احجام الضحايا عن تقديم دعوى رسمية بحق المرتكب، لعدة أسباب بينها جهلهم بأهمية فضح المرتكب وتوقيفه. وفي هذا السياق ارتكبت سنة 2019، 131 عملية احتيالية بمعدل شهري بلغ 11.91، وأوقف بسببها 12 شخصًا. هذا الرقم زاد في سنة 2020 حيث وقعت 155 عملية احتيالية بمعدل شهري بلغ 12.91، واوقف بسببها 35 مرتكبًا. فتكون بذلك نسبة الزيادة سنة 2020 عن سنة 2019، قد بلغت 10.32 بالمئة. ونسبة الارتفاع بالموقوفين فاقت الـ 191.66 بالمئة.
_ الاستخدام الأكثر ضررًا وإساءة هو ما يدخل في باب الابتزاز. هناك أشخاص يصنفون في خانة المجرمين لأنهم يستهدفون النساء بشكل خاص للحصول على علاقة جنسية أو أموال أو الاثنين معًا. هؤلاء يظهرون أنفسهم كمعجبين ثم يطورون علاقتهم مع شريكتهم، وشيئًا فشيئًا يحصلون على ثقة الآخرين وتتطور العلاقة فيما بينهم بشكل تدريجي ليطلب المرتكب صورًا للسيدة التي وثقت به، وبعد حصوله عليها يبدأ عملية الابتزاز وطلب الاموال مهددًا إياها بنشر صورها وفضحها، فتجد نفسها واقعة بين شرّين أحلاهما مر، ومن تجرؤ على الشكوى تكون قد قامت بعملٍ له عدة فوائد لصالح المجتمع وبالخصوص لصالح نظيراتها.
ففي الارقام تبين أنه سنة 2019 سجلت 645 عملية ابتزاز بمعدل شهري بلغ 53.75، اوقف بسببها 118 شخصًا. وفي سنة 2020 وقعت 769 عملية بمعدل شهري بلغ 64.08، واوقف خلالها 132 شخصًا. وهكذا تكون نسبة الزيادة السنوية 19.22 بالمئة. وارتفعت نسبة الموقوفين بنسبة 11.86 بالمئة. هذه الجريمة وغيرها، لطالما حذرت وتحذر قوى الامن الداخلي من وقوع المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي فيها، وتنبه بالأخص الفتيات عدم التواصل مع اشخاص غير معروفين من قبلهم، وحتى لو كانوا كذلك عدم ارسال صورهن لهم، لأن المغرضين يستغلونها ليحققوا اهدافهم الدنيئة. وهي تدعوهم الى تغيير كلمة المرور بشكل شبة دائم، لئلا يتمكن المجرمين من ولوج جهازهم فيما لو وقع بأيديهم.
البروفسور جنان الخوري الفخري، الأستاذة الجامعية والخبيرة القانونية المعتمدة من الاسكوا في التشريعات السيبرانية، تشير الى ان التطورات التكنولوجية عملت على تغيير الطريقة التي يتم من خلالها إساءة استعمال المعلومات الشخصية، بحيث يتم انتحال شخصيات عبر الحدود وبدون معرفة جنسية المجرمين أو حتى الضحايا بعضهم لبعض، أو حتى دولهم أو قارتهم. يتمّ ذلك من خلال: تيسير مجموعة كبيرة من أعمال التدليس في مجال التسويق عن بعد، يتضمن الاستثمار ممارسات خادعة والغش في المزايدات والذي يعتبر اكثر انواع الغش المتصل بالحواسيب التي تصيب المستهلكين كعدم تسليم السلع أو عدم الدفع بعد اتمام المعاملات على الانترنت، إضافة الى جرائم خيانة الأمانة… يتمّ "التصيد الاحتيالي" أو (رسائل الدعاية الساخرة) عبر توزيع الملايين من الرسائل الإلكترونية الاحتيالية توحي بصدورها عن مصارف أو مزادات على الانترنت، وذلك بهدف التحايل على المستخدمين عبر الحصول على بيانات شخصية أو مالية أو بيانات تتعلق بكلمة المرور ثم لاستخدام هذه المعلومات الشخصية بشكل احتيالي للحصول لإجراء مشتريات، حيث يضلل المجرمون مستعملي الخدمات المصرفية الإلكترونية ويحملونهم على إدخال معلومات خاصة بحساباتهم المصرفية في مواقع وهمية، ثمّ يستخدمون هذه المعلومات لسرقة الأموال من حساباتهم.
وتابعت خوري: أما الظاهرة الأبرز في مجال الاحتيال المعلوماتي، فتتم من خلال الاحتيال في مجال اليانصيب Escroquerie à la Loterie التي تزداد انتشارًا، وهي على الأرجح من الاحتيالات في مجال الأتعاب المدفوعة سلفًا، يسعى مرتكبوها الى خداع عامة الناس وسلب مدخراتهم. يتم ذلك من خلال رسالة بالبريد الإلكتروني mail يُعلَم فيها المتلقي أنه ربح جائزة كبيرة في يانصيب، كفائزٍ وحيد، بواسطة منظومة قرعة كومبيوترية) أو بأبحاث عشوائية في عناوين البريد الإلكتروني، حتى ولو لم يكن قد طلب المشاركة، والانتظار قليلا ريثما يتم تحويل الأموال بواسطة حساب مصرفي أو تسلمه مباشرة. انما يُطلب منه في المقابل عدم إفشاء الأمر لأسباب أمنية أو ضريبية، وتزويدهم معلومات شخصية مفصّلة ورقم حسابه المصرفي ودفع بدل تحويل واتعاب وترخيص وتسجيل ومحاماة أو نفقات فتح حساب جديد وشتى انواع الرسوم؛ الا ان المجرمين يعمدون إلى استخدام تفاصيل المعلومات الشخصية لارتكاب جرائم باسم الشخص والوصول إلى حساباته المصرفية أو لفتح اعتمادات باسمه؛ وقد يبدو كل ذلك جديرًا بالتصديق بالنسبة الى الضحايا السذج والجشعين. ويبرز في هذا الصدد بشكلٍ خاص، تزوير بطاقات الاعتماد عبر مواقع شبكية متخصصة، وتزوير عملات وجوازات سفر بشكل متقن، وصنع بطاقات مزورة (بطاقات الاعتماد Credit Cards، وبطاقات الوفاء Debit Cards، وبطاقات ضمان الشيكات) وغيرها العديد من الوسائل الالكترونية التي لم يعفها المجرمون من الاستعمال. يتمّ هذا الاستعمال سواء من قبل العميل نفسه بإساءته استخدامها، كاستخدامها بعد انتهاء مدة صلاحيتها أو الغائها، أو حتى اساءة استخدام بطاقة الوفاء والسحب في أثناء مدة صلاحيتها كسحب مبلغ يتجاوز الحد الذي تضمنه البطاقة. كما ترتكب الجرائم قصدًا من خلال استخدام البطاقة غشاً من قبل الغير في حالة سرقتها واختلاسها، أو فقدانها أو استخدام بطاقة مزورة…وغيرها، كما يمكن ان ترتكب عن طريق الخطأ.
وتختم الدكتورة جنان الخوري فخري :اللافت ان الكثير من هذه البطاقات يؤمنها موظفو البنوك الكبيرة (حاميها حراميها) المرتبطون بشبكة فاسدة فيزودونها ببطاقات مختلسة ومزوّرة، ما يرتب خسائر مالية للجهة المصدّرة للبطاقة ولحاملها ويخرق النظام المصرفي ويكشف الشبكة المصرفية، إضافة الى تسهيل القرصنة الإلكترونية، تزوير خدمات الصيرفة الإلكترونية والتبادل والنقود الإلكترونية.