طلال الامام /ستوكهولم – الحوار نيوز
وصلتني هدية ثمينة جدا من رفيق وصديق قاسمته فترة من العمل المشترك في الشأن العام، مازالت محفورة في القلب والذاكرة وما زالت تلك العلاقة في الوجدان وتتطور .
الهدية هي آخر عمل للدكتور محمد دياب ( من لبنان الشقيق)، كتاب ” فلسطين في مرآة الثقافة الروسية “الصادر عن المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات.
الكتاب بحث اكاديمي بلغة رشيقة تصل افكاره للقارىء بكل سهولة. افكار مرتبة، والاهم كمية المراجع واللقاءات المستخدمة باللغتين العربية والروسية، الامرالذي يزيد من مصداقية العمل .
ربما من الصدف ذات المعنى ان يأتي الحديث عن الجذور التاريخية للعلاقات بين فلسطين وروسيا عبر مختلف الحقب، في وقت تعود فيه القضية الفلسطينية الى واجهة الحدث في مختلف ارجاء المعمورة .
يستعرض الكتاب مكانة فلسطين في الوجدان الشعبي الروسي منذ بدء الحج اليها كاراض مقدسة، وهو مانلمسه في الاعمال الادبية للكثير من الادباء الروس لما يمكن تسميته ادب الحج والرحلات. كم كان ممتعا قراءة ماكتبه الحجاج في وصفهم للمدن التي زاروها في فلسطين في طريقهم للقدس : اريحا ، صفد ، يافا ،من حيث الطبيعة ، الاسواق ، السكان وما الى ذلك …كما من خلال استعراض انشطة الجمعية الفلسطينية الارثوذكسية الامبراطورية التي تأسست في نهاية القرن التاسع عشر ( أيار /مايو 1882).
سعى المؤلف الى ابراز كيف انعكست فلسطين في الثقافة الروسية بدءا من كتابات الحجاج الروس في القرن الثاني عشر وحتى بدايات القرن العشرين .ابرز انطباعات فنانين ،ادباء وشعراء روس كبار امثال غوغول بونين ورسامون امثال إيليا ريبين ومكسيم فوروبيوف، مرورا بمقاربات مؤرخين بارزين في مقدمتهم كريمسكي وسميليانسكايا..
يشير المؤلف الى ان العلاقة الروحية الدينية الروسية بفلسطين تراجعت في العصر السوفياتي لتتولد مكانها العلاقات السياسية، الثقافية والايديولوجية والتي تمثلت في اعتراف الحكومة السوفياتية بفلسطين، حيث كانت من اوائل الدول التي افتتحت رسميا سفارة فلسطينية في موسكو ، الى جانب الدعم السياسي والعسكري لمنظمة التحرير ودعمها في المحافل الدولية .
يبرز الكتاب الدور الكبير للحكومة السوفياتية في التوصل الى تبني الامم المتحدة قرار اعتبار الحركة الصهيونية منظمة عنصرية .ويشير المؤلف الى ان الاهتمام بقضية فلسطين تراجع بعد تفكك الاتحاد السوفياتي لكنه لم يدم طويلا .
باختصار وكما يشير المؤلف شهد تاريخ العلاقات الروسية الفلسطينية حالات صعود وهبوط ، لكن اهتمام الروس بفلسطين / الاراضي المقدسة وانجذابهم اليها كان عظيما دائما .
يبرز الكتاب أيضا عودة اهتمام المؤرخين والباحثين السياسيين المعاصرين بالقضية الفلسطينية .فقد صدر على سبيل المثال عام 2018 عن دار النشر التابعة لمعهد العلاقات الدولية الحكومي في موسكو التابع لوزارة الخارجية، كتاب هام بعنوان ” دولة فلسطين : الحق في المستقبل “. كتاب يتسم بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته مع التشديد على عدالتها ، بخلاف المواقف التي يطلقها بعض الباحثين والكتاب السياسيين الروس اليوم والتي تتسم بالتعاطف مع الرواية الصهيونية .
اخيرا يمكن القول وبكل ثقة ان كتاب الصديق العزيز محمد دياب يشكل اضافة مهمة للمكتبة العربية المهتمة بقضية تملأ الدنيا وتشغل الناس : القضية الفلسطينية العادلة وعون للسياسيين والباحثين والمهتمين بهذه القضية ولكل من يريد معرفة وحقيقة الموقف الشعبي والرسمي الوجداني الروسي من فلسطين .
ان ما ذكرناه لا يغني ابدا عن الاطلاع على المؤلَّف
….شكرا للصديق محمد على هذا الجهد الاكاديمي المميز …شكرا لهذه الهدية .