
كتب غسان بيضون* في صحيفة الجمهورية:

أقرّت خطة الطوارىء الوطنية للكهرباء خلال العام 2022، وارتكزت يومها على رفع تعرفة مبيع الكهرباء على أساس تأمين التوازن المالي للمؤسسة، بمعنى أن تغطي إيراداتها من هذه التعرفة جميع نفقاتها، بما فيه تكلفة إنتاجها، مستعينة بالنفط العراقي مرحلياً؛ وعلى أمل زيادة التغذية تدريجياً وصولاً إلى ما بين 10 و 12 ساعة يومياً، وخفض قيمة فاتورة المولد على المواطن، وعلى أن يعاد النظر بالتعرفة دورياً بموازاة انخفاض أسعار النفط العالمي التي ناهزت الـ٤٠ بالمئة بتراجع سعر برميل برنت تدريجياً من ١١٠ $ بتاريخ تحديد قيمة هذه التعرفة، والذي وصل إلى حدود ال ٦٥ دولار، ناهيك عن استيفاء رسوم ثابتة على العداد برغم عدم توفير التغذية ٢٤ على ٢٤، التي يشترطها نظام استثمار كهرباء لبنان لاستحقاق رسم العداد كاملاً .
برغم ذلك استمرت أزمة الكهرباء على حالها وبقي البلد يرزح البلد تحت وطأة مخاطر هذه الحالة القائمة منذ سنوات طويلة، فيما تراوح الأزمة مكانها دون اي تطور إيجابي، وذلك بسبب الغرق في وحول الخطط وتعديلاتها وصيغها العديدة بحللها المبتكرة، التي لم تؤدّ، حتى اليوم، إلى إحداث اي تغيير إيجابي فعلي على الأرض؛ فبقيت وعوداً مبنية على أوهام، واستمر استنزاف قدرات المواطن والاقتصاد والمرافق والإدارات والموازنة العامة، وتراكمت استحقاقات ترتبت عن تأمين المحروقات للمؤسسة.
في ظل هذا الواقع وردت أخبار حول مشاريع وأفكار تتعلق بتأمين الكهرباء للبنان من خلال خط بحري من قبرص، يبدأ استثماره بعد تأمين تكلفة إنشائه وإنجاز تنفيذه الذي يمكن إذا بدأ أن لا ينتهي بسنوات، وكذلك حول تأمين الكهرباء من مصر بعد أربع سنوات، يضاف إلى ذلك طروحات تتعلق ببناء معامل جديدة على الغاز او استيراد الغاز من قطر او مصر، أو باستجرار الكهرباء من الأردن.
لبنان ليس لديه ترف الوقت للانتظار والبقاء سنوات على حال التغذية المحدودة جداً حالياً، والتي لا تتجاوز الست ساعات في مناطق محظية، وتبقى أقل من ذلك في معظم المناطق الأخرى، بحيث نتعرض من وقت إلى آخر للوصول إلى شفير العتمة الشاملة، وحافة خطر توقف المرافق العامة عن العمل، بما فيه المطار والمرافىء والمستشفيات ومحطات ضخ المياه والاتصالات والمطاحن ومصانع الأدوية واجهزة تبريد المواد الاستهلاكية وغيرها.
يرزح تحت هذا الظلم المواطن العادي وإدارات الدولة ومؤسساتها ومرافقها الخدماتية كافةً، ويتحمل اعباءه المواطن المحدود الدخل كما موازنة الدولة دون ان تسمع من القيّمين على المؤسسة والقطاع خبر يسرّ القلب.
لقد تغير واقع أزمة الكهرباء ومعطياتها، وباتت أكثر تعقيداً تعجز عن حلها تلك الخطط والمعالجات التقليدية البائسة، وبات من الضروري الخروج بتفكير الساعين، من المسؤولين عن معالجتها، من صندوق الخطط المعقدة وارتباطها بصفقات تثار حولها شبهات نستذكرها مع كل شحنة محروقات مستبدلة أو تستورد لصالح المؤسسة.
على مدى سنوات الأزمة، نجحت المبادرات الفردية والخاصة وسعي بعض الادارات والمؤسسات العامة للحصول على هبات ومساعدات، وتواصل السير باتجاه الاعتماد على الطاقة الشمسية، ليتجاوز ما تم توفيره منها، الـ١٠٠٠ ميغاوات، التي تشكّل ربع حاجة البلاد خلال الذروة، كمصدر أساسي وبديل لكهرباء “الدولة” والمولدات؛
إن حل أزمة الكهرباء في لبنان اليوم لا بد أن يبدا بخطوة الانتقال من نظام الكهرباء الحالي إلى اعتماد لامركزية الانتاج والتوزيع، والتركيز على استغلال الطاقة الشمسية، لا سيما وأن بلوغ حصتها 30 % من إجمالي الكهرباء المنتجة في لبنان يشكل هدفاً أقرته الحكومة للوصول إليه بين 2020 و 2030؛
كيف ذلك ؟
الجواب بسيط وهو استصدار قانون يجيز للبلديات واتحادات البلديات بإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة والشمسية بشكل خاص، بالتعاون مع القطاع الخاص، في إطار منافسة جدية تمنع الاحتكار، بحيث يمكن أن يشكل أصحاب المولدات وشبكاتهم شريكاً مساهماً فيه، فيعفى المواطن من فواتير المولدات الفاحشة وفواتير المؤسسة الأشبه بالخوة، ويستفيد من تعرفة الطاقة الشمسية الأرخص بحوالي الثلث، ويتخلص البلد من الآثار البيئية السيئة للتلوث الناتج عن مازوت المولدات وفيول المؤسسة السيء او المغشوش، وتتخلص الدولة والاقتصاد بمختلف قطاعاته من تكلفة الكهرباء العالية التي تحرمه من تصدير منتجاتها بأسعار تنافسية؛
أما أفضليات اللجوء إلى الطاقة الشمسية فهي عديدة تبدأ بصداقتها للبيئة والوفر الذي يتحقق في ميزان المدفوعات من خلال خفض حجم استيراد المحروقات من الخارج وبضآلة حجم التمويل اللازم لإنشاء معاملها. يضاف إلى ذلك يضاف إلى ذلك توفّر التمويل اللازم محلياً، وسرعة بناء مزارع الطاقة الشمسية، والتكلفة المتدنية لإنتاج الكيلوات الواحد منها، وبالتالي تعرفتها الأقل بنسبة عالية من سعر أي كهرباء منتجة من محروقات تقليدية.
وقبل كل تلك الحسنات والمزايا التفاضلية يقع تحقيق مستوى مهم من الاكتفاء الذاتي بالكهرباء، من خلال توفير حد ادنى معقول جداً من الاستقلالية ومن التغذية، التي تضمن تسيير مرافق البلد حيوية، وتحرره من ربط تأمين سلعة كهربائه الحيوية بالخارج، ومن تبعات عدم رضاه؛
فما الذي يمنع ويؤخر البلد من السير باتجاه التنمية المستدامة لمختلف المناطق، واعتماد الطاقة الشمسية والمتجددة كمصدر آمن، رخيص ومستدام للكهرباء وبرغم كل هذه الحسنات؟
ان الإجابة المعقولة على هذا الموقف غير المبرر وغير المفهوم هو أن تكون هناك منافعاً لـ”قطاع عميق” خفيّ يحتلّ مصادر القرار، أو الخضوع لمقتضيات وتوصيات غير مفهومة المصدر!
* مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه
محلل سياسات الشراكة في المعهد اللبناني لدراسات السوق



