جائحه كورونا وأمراض القلب والشرايين (الجزء الثالث):أدوية تحت التجربة لها مضاعفات غير محمودة
كُنّا قد تطرّقنا في الجزئين الاول والثاني من هذه المقالة لمخاطر الإصابه بالإلتهابات الناتجه عن فيروس كورونا (COVID-19) على مرضى القلب والشرايين ،ولماذا يتسبّب هذا الفيروس بزيادة كبيره لمخاطر تدهور حاله هؤلاء المرضى لدرجه التسبّب بوفاتهم في بعض الاحيان . واشرنا ايضا الى ان الفيروس يتسبّب وبشكلٍ مُباشر بإصابات خطيرة في عضله القلب قد تؤدّي أحياناً الى ظهور حالة قصور في عضله القلب وقد تصل احياناً إلى حالة الصدمة القلبيه او الى الاصابة بآلام صدرية شديدة مع حدوث ذبحات قلبية حادة وإضطرابات خطيرة في كهرباء القلب قد تكون مميتة أحياناً أيضا.
في هذا الجزء الثالث من المقالة سوف نتكلّم عن المخاطر القلبية لبعض الأدوية المستعملة في علاج الإلتهابات الناتجة عن هذا الفيروس، خاصه بعد إستعار النقاش حول إستعمال دواء الهيدروكسي- كلوروكين (Hydroxychloroquine) في محاوله لعلاج هذه الإلتهابات لأن هذا الدواء قد يكون خطيراً عند بعض المرضى وفي بعض الحالات كما سنُفصّل لاحقاً في هذه المقالة.
كما نعلم حتى اليوم فإن الدراسات العلميه المنهجيه والقائمه على أُسس قويه لم تصدر نتائجها بعد حتى تاريخ اليوم ، وأنّ هناك عدة أدوية تُستعمَل في محاولة الحدّ من المخاطر والاعراض الخطرة الناتجة عن الإصابه بفيروس كورونا. لكن لا أحد يدّعي حتى الساعة انّه وجد الدواء الفعّال الذي من المُمكن تعميم إستعماله في كل دول العالم كدواء اساسي اوّل لهذا الفيروس وللمضاعفات الناتجه عنه .وهناك حاليا عدّة تجارب في معظم دول العالم ومن اهمها تجربة اوروبيه واسعة تحت اسم Discovery سوف تشمل 3200 مريض من 8 دول اوروبيه منهم 800 مريض من فرنسا. و قد بدأت هذه الدراسة منذ حوالي أسبوعين. وهي تحاول أن تجد البروتوكول العلاجي او التركيبه الدوائيه الاكثر فعالية لعلاج الاعراض الناتجة عن هذا الفيروس من بين حوالي 15 ماده وعلاج تمّ او يتمّ استعماله حتى اليوم من قِبل الفرق الطبية التي تُواجه هكذا حالات من مختلف انحاء العالم في الصين و اوروبا و اميركا الشماليه و غيرها من الدول.
في المقابل صدرت عده تحذيرات من السلطات الصحية العالمية وخاصة الفرنسيه منها حول مخاطر استعمال بعض الادويه دون وجود وصفة طبية (Auto-medication) من قِبل بعض المرضى او بعض الاطباء الذين أستعملوا دواء الهيدروكسي-كلوروكين (Hydroxychloroquine) دون توفّر شروط طبيّة مُعيّنه وضعتها السلطات الصحية الفرنسية، بعد ان سُجّلت في فرنسا وحدها حوالي 30 حالة خطرة إستدعت الدخول الى المستشفى ومنها 3 حالات وفيات بسبب الآثار الجانبية الخطيرة لهذا الدواء والذي اصدرت السلطات الفرنسيه المُختصّه مرسوماً بتاريخ 26 آذار ٢٠٢٠ يُحدّد فيه الشروط التي يجب مراعاتها لإستعمال هذا الدواء من قبل الاطقم الطبية.
ويعود ذلك بسبب الضجّة الكبيرة التي احدثتها دراسات البروفسور الفرنسي ديديه راؤول والتي دفعت الكثير من الاشخاص في فرنسا ومختلف دول العالم للتهافت لشراء هذا الدواء وإستعماله احياناً دون اي مُبرّر او دليل علمي قاطع على فعاليته ما ادّى لتعريض الاشخاص الذين تناولوه لمخاطر قلبية كبيرة ناتجة عن آثاره الجانبية.
وفي ما يلي بشكلٍ تفصيلي مُقتضب طبعاً اهمّ الأدوية التي يُقال انّها فعالة واهمّ الآثار الجانبيه لهذه الأدويه المُستعمله حاليا في علاج الالتهابات الناتجه عن فيروس كورونا :
1-مضادات الفيروسات (Anti viral therapy) : تُشكّل هذه الأدوية حجر الزاويه الأساسي في علاج هذا المرض والاعراض الناتجه عنه . ومن اهم هذه المُضادّات الفيروسية المُستعملة دواء اسمه (Ribavarin) و دواء آخر اسمه(Remdesivir) وهو دواء استعمل لعلاج مرض ايبولا الذي ظهر في افريقيا منذ سنوات. وهما مادّتان تلتصقان بال Enzyme المسؤول عن اعاده نسخ الوحدات الجينية للفيروس اي ال RNA والذي يُسمّى RNA-dependent RNA polemerase ويمنعان بالتالي تكاثر الفيروس. ولا تُشير المُعطيات المتوفرة حتى اليوم عن مخاطر خاصة مُباشرة لهذين الدوائين على القلب و الشرايين.
في المقابل تُشير دراسات أُخرى انّ المُضاد الفيروسي الأكثر استعمالاً حالياً في علاج هذا الفيروس والمعروف تحت اسم (Kaletra). وهو دواء تمّ تسويقه سنه 2006 و يُستعمل في علاج الإلتهابات التي يُسبّبها فيروس الايدز و فيروس الإلتهاب الكبدي من نوع C. و هذا الدواء يحتوي على مادتين هما (Lopinavir) بجرعه 200mg وهو مُضادّ لإحدى البروتينات المعنيّة بتكاثر الفيروس، ومادة اخرى اسمها (Ritonavir) بجرعه 50 mg تؤثر على (Enzyme) موجود في الكبد تسمى (CYP3A). ممّا يرفع من مستوى المادة الفعالة اي ال (Lopinavir) في الدمّ و يزيد من فعاليته . وهذا الدواء له تأثيرات جانبية قلبية كبيرة، بحيث يزيد من مخاطر حصول إضطرابات قلبية خطيرة عبر منعه لمرور الكهرباء بشكلٍ طبيعي في الشبكة الكهربائية القلبية
و يؤدي بالتالي لزياده مسافه مؤشر (PR segment) على تخطيط القلب و كذلك زياده اخطر في مؤشر (QT segment) المعروف. وذلك خاصةً عند المرضى الذين لديهم تمدّد في هذا المؤشر بشكل طبيعي او لأسباب وراثية او بسبب وجود نقص في البوتاسيوم في الدم والخلايا عندهم او لأسباب بيولوجية اخرى. ممّا يُعرّض المريض لحصول نوع خطير من إضطرابات القلب في البطين الايسر تعرف باسم (Torsade des pointes). وهي قد تكون خطيرة ومُميتة .
كذلك تبيّن ان ال (Ribavarin) و ال (Kaletra) لهما تأثير على الادويه القلبية الأخرى المُستعملة عند مرضى القلب مثل الادوية المُضادة للتخثّر و مضادّات التجلّط. وهذا ما قد يُعرّض المريض لمخاطر النزيف في حال إرتفاع نِسب هذه الادوية في الدم بشكلٍ كبير، ممّا يجب ان يدفع الأطباء على البقاء على حذر كبير عند إستعمال هذه الادويه عند هؤلاء المرضى او الى تعديل جرعات هذه الادوية او إيقافها كلياً في بعض الحالات مع ما يترتّب عن ذلك من مخاطر، لأن بعض المرضى قد يُصابون بأحداث قلبية خطيرة نتيجة لذلك . امّا الادوية التي تُخفّض نسبة الكولسترول في الدم فإنّ كميّاتها تزداد بشكلٍ كبير في الدم، ممّا يُعرّض هؤلاء المرضى لمخاطر كبيره منها إمكانيه حصول اعراض عضليه خطيره مثل انحلال الربيدات (Rabdomyolysis) مع تحلّل في الخلايا العضلية وآلام عضليه قوية وإرتفاع قوي في الخمائر العضلية في الدم وقصور كلوي حاد او حصول مشاكل كبدية خطيرة (Cytolsis). لأن لهذه الأدويه آثار جانبية كبيرة على الكبد. ولذلك يُنصح بإستعمال جُرعات مُخفّفة جداً من هذه الادويه المُخفّضه للدهنيات في حال إستعمال مضادات الفيروسات التي ذكرناها.
امّا الدواء الذي إسُتعمل في علاج مرض ايبولا وهو ال (Remdesevir)، فهو يُستعمل ايضاً حالياً لعلاج فيروس كورونا دون وجود اية مُعطيات دقيقة حول مخاطره القلبية. وكان الاطباء في مرحلة إنتشار ايبولا في السابق قد شهدوا بعض الحالات القلبية الخطيرة من ضمنها حالة واحدة حدث فيها هبوط خطير في الضغط الشرياني
وتوقّف في القلب في بداية إعطاء هذا الدواء عند احد المرضى الذين اصيبوا بالفيروس في تلك الفترة.
وسوف نستكمل هذا الحديث عن الأدوية والعلاجات الأخرى في الجزء الرابع الذي سننشره لاحقاً بإذن الله.
*د طلال حمود – طبيب قلب وشرايين -مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود