ثلاثة خيارات أحلاها مرّ..إذا تعطلت الاستشارات!
السؤال البارز والمشروع الذي تُجمع عليه مختلف شرائح المجتمع اللبناني :هل ينعقد لواء الاستشارات النيابية الملزمة يوم الإثنين المقبل في قصر بعبدا؟ وماذا لو تعطلت هذه الاستشارات بفعل فاعل ،كما حصل مع جلستي المجلس النيابي اللتين دعا اليهما الرئيس نبيه بري؟
باختصار شديد ،الأجواء السائدة تقول إن الجواب رهن بموقف الرئيس سعد الحريري الذي يملك زمام الغطاء السنّي لأي رئيس حكومة مقبل.فبيت الوسط هو الخصم والحكم في هذا المضمار ،باعتبار أنه يملك الشريحة النيابية الأوسع لدى الطائفة السنّية ،وعليه يتوقف مآل الأمور بعد الاثنين المقبل.
والواضح حتى الآن أن في نفس الحريري شيئا من رئاسة الحكومة ،على الرغم من إعلانه قبل أيام دعم المرشح سمير الخطيب ،وهو لو أراد ركوب صهوة الحكومة لعُقدت له الرئاسة من دون منازع ،خاصة لدى شركائه في السلطة ،مسيحيين وشيعة ودروزا،ولكن ليس بشروطه القاسية التي تغلّب صيغة التكنوقراط بالكامل.وفي اعتقاد الجميع أن ليل الأحد الاثنين سيكون حاسما في هذا المجال،فإما أن يدعم الحريري وكتلته النيابية المرشح سمير الخطيب ،أو يتنكب هو شخصيا لهذه المهمة .أما الخيار الثالث فيعني نسف الاستشارات بصورة أو بأخرى ،فماذا لو تعطلت هذه الاستشارات؟
ثمة ثلاثة خيارات أحلاها مرّ على البلد برمته في حال تعطلت الاستشارات يوم الاثنين المقبل:
الخيار الأول: العودة الى نقطة الصفر والبقاء في حال المراوحة الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا،في وقت ينحدر البلد نحو الانهيار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية بسرعة لم يسبق لها مثيل.وعلى هذا الصعيد تُظهر الأرقام والإحصاءات حتى الآن كوارث اجتماعية ،سواء لجهة حجم البطالة وإقفال المؤسسات في القطاع الخاص ،فضلا عن الأزمة التي ستواجه القطاع العام مع مطلع السنة الجديدة.
الثاني :تحديد موعد جديد للاستشارات ،والسير بالمرشح سمير الخطيب بمن حضر.ومثل هذا الخيار ،حتى لو سار به الخطيب،فإنه يحمل في طياته مغامرة كبيرة لجهة رفع الغطاء السنّي عن رئيس الحكومة العتيدة ،إذ لم يحسم الموقف من هذا الخيار حتى الآن سوى نائب واحد هو النائب قاسم هاشم ،وهو ينتمي الى كتلة التنمية والتحرير المحسوبة على الطائفة الشيعية.وعندها ستواجه الحكومة المفترضة غالبية الطائفة السنّية والطائفة الدرزية ونصف المسيحيين،مدعومين بالحراك الشعبي بمختلف مستوياته.ومثل هذه الحكومة العرجاء لن تتوفر لها،لا فرص العمل والإنقاذ ولا حتى فرص الحياة .
الخيار الثالث:الرضوخ لمطالب الحراك الشعبي،بتشكيل حكومة اختصاصيين بالكامل(تكنوقراط).وفي هذا الخيار نوع من مخالفة الطبيعة السياسية للبلد ،اذ كيف يمكن إبعاد الأحزاب عن مثل هذه الحكومة ،وهي تمثّل أكثر من 95 بالمائة من البرلمان ،إلا إذا افترضنا أن هذه الأحزاب تتمتع بروح القداسة كي تلغي نفسها بهذه الطريقة الفولوكلورية.فواهم من يعتقد أن الأزمة الراهنة هي أزمة إقتصادية مالية اجتماعية فقط ولا علاقة لها بالسياسة ومحاورها الداخلية والخارجية.وواهم أكثر من لا يزال يرى أن النظام السياسي الحالي قادر بعد على إخراج لبنان مما يتخبط فيه من مشاكل.وعليه لا بد من إصلاحات سياسية جذرية تواكب الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
في لجة هذه الخيارات الثلاثة المريرة،يُستنتج أن الأزمة مستمرة ،وأن الاستقرار المطلوب بعيد المنال.فلا عقلية ما قبل 17 تشرين الأول ما تزال صالحة لادارة البلد ،ولا عقلية ما بعد هذا التاريخ تحمل من الحكمة والتعقل ما يخرج البلد من الضائقة التي يتخبط فيها ،وليس ما يدعو المتشائمين من الغد الى الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل.
ثمة خيار رابع يعتقد البعض أنه منصف للجميع ،لكنه لا يخلو من العقبات ،ويقوم هذا الخيار على تشكيل حكومة مصغرة جدا ،تنحصر مهمتها بتسيير شؤون البلاد لمدة لا تتجاوز الستة أشهر ، وبالتحضير لانتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون انتخابي جديد،بحيث تظهّر هذه الانتخابات الاحجام السياسية الحقيقية في البلد ،ويتبين عندها الخيط الأبيض من الخيط الأسود ،في ظل الجدل العقيم القائم حول التمثيل الشعبي والأرقام الهوائية التي يدعيها الفرقاء كافة.عندها فلتتحمل "الشعوب اللبنانية المتناحرة" مسؤولية خياراتها واختياراتها،وعندها فقط يفترض أن تطبق مبادئ الديموقراطية الصحيحة ،شاء من شاء وأبى من أبى.
قد يكون في الخيار الرابع نوع من الطوباوية في بلد فلت عقاله على مختلف المستويات ،لكنه الخيار العادل الذي لا مناص منه في النهاية.وإلا ينطبق علينا قول الشاعر الأموي جرير :"أبشر بطول سلامة يا مربع"..والسلام على من اتبع الهدى.