تُخيّمون في ألسنة الغير (نسيم الخوري)
بقلم الدكتورنسيم الخوري – الحوار نيوز
أتصدّقون أن الله خلق لبنان وخلقكم من بعده وراح ينام في خيالكم وألسنتكم يرسم العالم لكم حجراً حجراً وبشراً بشراً؟
أنسيتم أنكم آخر صفوف البشر وكأنّكم جثث تزحف مرمية في نهاية الصفوف المكدسة الطويلة في الأرض نحو ما الله يدري حيث لا سماء ولا ماء؟
أتصدقون أنّ فصول الألسنة والفصاحة والصداقة والصدقية والوطنية ولدت من رحم لبنانكم هذا ؟
اللسان والد الحبر الأسود به أذكّركم أنّ اللسان إنسان، واللبناني حيوان ناطق بلبنانه من دون إدراك معنى الإنسان والإنسانية.
يحفر اللبناني وطنه قصيدة وأغنية فوق خشب المدارس والجامعات وقصور رؤساء الدول ،ويرفعها فوق بلاط المذاهب والطوائف والمدافن.
شعبكم أخرس أصم وأبكم يدوسه الحكام كلّ ثانية من أعماركم وفوق جباهكم تتزاحم سجون الدنيا تئن صراخاً من جوعٍ في فتحات آذانكم وأفواهكم وتصدّقون راقصين في الساحات بعد أنكم من أرقى الشعوب والبلدان والحضارات.
ألسنة تقود بكم إلى الضرب المبرح والتشويه والصعقات الكهربائيّة والمصحّات النفسيّة والجنون ثمّ المشانق والصلب والسحل،
وألسنة تقذف بكم نحو القمم تسحب سيوف السماء تقطع أمامكم أعناق الهولاكيين وترميها في حفر الأوطان معارض شعبيّة لتتعلّم الأجيال طرائق التخلّص من أسنان الهولاكيين.
لو فتحنا موسوعات الحضارات وقواميسها المختصرة و”غوغلها” الذي قتل الأسئلة في الأذهان، لوجدنا الألسنة والسيوف الممدودة لبناء الدول في وجه العالم.
مع كلّ مطّة أو كلمة وحتى همسة نجد مناخاً يختلف من شعب لآخر، لذا أقول: اللسان مفتاح الكشف عن الشعوب وثقافاتهم وعظمتهم وعيوبهم بإدارة أمكنتهم في الأرض.
هناك أمم تقعد في ألسنة غيرها كما في لبنان. وتأتي كلماتها مومأةً ومسخاً لا تفهم أوّلها من آخرها، فلا تقودك إلى المستقبل والمبتغى بل إلى المومأة.
وهناك أمم تقعد تحت ألسنتها، ويأتي كلامها متعدّد المعاني والنوايا غامضاَ لا تفهم منه شيئاً سوى التأديب والفلق والسجن حتّى المقصلة نعم المقصلة المركونة تحت كراسي الحكّام الهولاكيين إياهم.
القصاص أرضي وسماوي والله خوف يترصّدكم دوماً في الإنتظار حتّى ولو تنفّست برائحة المسك والعنبر لأنّ أجسادهم أو ضمائرهم أو أحاديثهم وتواريخهم وفصولهم نتنة تلوّث فصول لبنان.
وهناك أمم تقعد فوق ألسنتها لا تعرف سوى تقليد الببغاوات سرداً ونقلاً وترجمةً واقتباساً. وهناك أمم تسكن في شرايين ألسنتها بصمتٍ وثقة وثقلٍ لأنّها لا تحسن التصدير قبل نمو غابات الحضارة والتقدم والتواضع في المكان المخصّص لها.
إنّها الأمم المركونة بأصالتها للتعرّف إلى لغّاتها أوّلاً بدءاً من لثغاتها، ثمّ تهندس فتصقل لسانها ثانيّاً لتخرج بعد ذلك إلى الهواء الطلق. وتتكلّم
أيّ من الأمم أنتم أيها اللبنانيون؟؟؟
نحن شعب يولد في قلب ألسنته، لكنّه يفلت نحو الشوارع والساحات والفضاءات في العالم كله في الداخل والخارج ما أن يلثغ، لذا تُرانا شعوباً سارحة في قواميس العالم وألسنته،وندّعي بأننا صرنا لساناً وإنساناً ووطناً فريداً وقطعةً من سماء ما وجدناه ولم ولن تجدونه أبداً في لغّات العالم، ولا في أية زاويةٍ من زوايا الكون.
أتُصدّقون أن لبنانكم قطعة سماء؟
نحن نتكلّم الألسنة كلّها واللهجات كلّها وندور في أحاديثنا مليون مرّةٍ في الدقيقة الواحدة ملفوفين بالأكاذيب والحيل والسرقات، وفي النهاية نصفع العالم صارخين في وجهه أنّ الأبجدية الأولى البكر هي من صنعنا في لبنان بل هي ولدت في ديارنا ما أن اكتمل لسان الله فلثغ ثم نطق فقط وكان أوّل نطقه بين أيدينا في لبنان.
خلق الله لبنان ومن بعده راح ينام في خيالكم يرسم العالم حجراً حجراً وبشراً بشراً، وها أنتم آخر البشر في صفوف البشرية في الأرض.