تونس في زمن الكورونا وتجربة التعليم عن بُعد
مليكة الجباري
لفيروس الكورونا سلبيات و مخاطر على صحة الانسان، وهو ما أكده الأطباء و العلماء ،إلا أن هذا الفيروس عرّى جوانب أخرى من حياة الشعوب و مكوناتها و فضح استراتيجيات عرجاء لدول كثيرة ،و خاصة منها الدول النامية التي تتبجح بالالتحاق بركب الحضارة و الأمم المتقدمة الموغلة في التطور العلمي . و من بين تلك الدول تونس التي يعتبر حكامها منذ أكثر من ثلاثين سنة أنها أسست المناهج المعلوماتية و الأساليب الرقمية في البلاد ،حتى أنها خصصت وزارة بحالها لهذا الميدان اسمها "وزارة الاتصالات و التكنولوجيا الحديثة" و جهزتها بأحدث الوسائل الرقمية وبنت لها مقرا فخما و مدّت إطاراتها بالسيارات الفخمة و لوازم العمل الحديثة ،كل ذلك لتحقيق مرمى كبير و هام وهو رقمنة وسائل الحياة بالبلاد .
حلّ ركب كورونا في تونس مثلها مثل سائر بلدان العالم ،و انكشف المستور و اتضح أن موازنة ضخمة لوزارة كبرى و طاقمها العملاق من حيث العدد و الأموال المرصودة ،ماهي إلا سراب عاش على أمله التونسيون طوال أكثر من ثلاثين سنة . فعند توقف التعليم في كافة مراحله الابتدائية و الإعدادية و الثانوية و الجامعية بسبب جائحة كورونا ،طرح كل من وزير التربية و التعليم التونسي و وزير التعليم العالي و البحث العلمي خطة عمل للتدريس عن بعد مثل بقية البلدان المتطورة، باعتبار أن تونس تمتلك منظومة اعلامية و رقمية متطورة ، إلا ّأن الحقيقة المرّة طفت على السطح و كبّلت أحلام الوزيرين اللذين يسعيان جاهدين لإنقاد سنة دراسية، و بالتالي مواصلة الدراسة عن بعد باستعمال الأجهزة المعلوماتية و الأساليب الرقمية ،فقال الواقع الأليم كلمته الفيصل بالنسبة للتعليم في مراحله الأولى و حتى الثانوية ، و وجد الحل في النجاح الآلي لكل التلاميذ الا الذين يجرون الامتحانات الوطنية كالباكالوريا ،بينما أصر وزير التعليم العالي وهو الدارس في الجامعات الأمريكية على التدريس عن بعد رغم معارضة النقابات التعليمية، باعتبار أن ذلك يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص ،خاصة وأن نسبة هامة من التلاميذ لا يمتلكون أجهزة حواسيب و لا شبكات نت في مناطق سكناهم و بالخصوص الريفية منها .
إصرار وزير التعليم العالي طرح إشكاليات أخرى وهي عدم جاهزية الاطار التدريسي الجامعي لهكذا مهمة ،حتى لو أخذنا بعين الاعتبار الذين يمتلكون أجهزة كمبيوتر و تغطية نت . نظام تدريس جديد ألقى به وزير التعليم العالي ربما دون الأخذ بعواقب التسرع في اعتماده على انعكاسات التدريس ،و بالتالي نتائج الطلبة التي لا يمكن لأي طرف توقع مستواها .
المنظومة الاجتماعية والرقمنة والنظم الاجتماعية في تونس تعتمد على الأساليب المعلوماتية منذ عشرات السنين، إلا أن فيروس كورونا عرّى المستور هذه المرة .فبعد أن أقرت وزارة الشؤون الاجتماعية تقديم مساعدات لفائدة الطبقات السكانية الضعيفة، تبين فيما بعد أن قاعدة البيانات غير شاملة، وأن العديد من العائلات الفقيرة غائبة عن تلك البيانات ،بل هناك من فارق الحياة و هناك من تغير حاله إلى حال أفضل، فشاهدنا الطوابير الطويلة أمام الإدارات على اختلافها للحصول على المساعدات، ما جعل وزير الصحة العمومية يطلق صيحة فزع خوفا من انتشار أسرع للكورونا في صفوف هؤلاء السكان ،وهو ما جعل الأصوات تتعالى منادية بتحيين قاعدة البيانات السكانية .
أكثر القطاعات التي انكشف حالها في زمن الكورونا في تونس هي الإدارة . فالميادين الإدارية برمتها اتضح انها تشكو عللا كبيرة بل خطيرة في تونس ، و بذلك توقفت الإدارات على اختلاف اختصاصاتها و اتضح جليا أن تبجح المسؤولين التونسيين باتباع الرقمنة في تسيير شؤونهم المهنية ، ماهي إلا زيف .فلا البريد و لا الاتصالات بأنواعها و لا البنوك و لا البلديات و المحافظات و جل القطاعات لها نظم معلوماتية يمكن الاعتماد عليها تسهيلا لقضاء شؤون المواطنين، بل انها تعتمد أساليب الورق الذي سرعان ما يندثر بين طيات الوثائق و الزمن .