تونس في زمن الكورونا:الأمن القومي الزراعي يختنق
مليكة الجبّاري – تونس*
ككل بلاد العالم تأثرت عديد القطاعات في تونس على آختلافها ،الصناعية و التجارية و السياحية و الفلاحية بتداعيات فيروس كورونا . و تكمن الخطورة جسيمة بالنسبة للميدان الفلاحي ، فهو لصيق بحياة المواطن بصفة كلية باعتباره مصدر حاجيات الحياة اليومية و خاصة منها الغذائية .
و لكن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه كيف تعاملت السلطات التونسية المختصة مع هكذا قطاع زمن الكورونا، وفي ظل أزمة عالمية منتظرة فيما يخص الغذاء في المستقبل .
كغيرها من دول العالم اتخذت تونس ووزارة الفلاحة و الزراعة أساسا في تونس، إجراءات الحجر الصحي العام و حظر التجول حفاظا على صحة التونسيين من تفشي الوباء مع اختلاط الناس ببعضهم ،وهو ما انعكس على القطاع الفلاحي و الزراعي في تونس، فما هي انعكاساته الآنية و المتوسطة المدى. أما البعيدة فهي في علم الغيب نظرا لآنعدام سياسة زراعية واضحة المعالم أصلا سنعود إلى الحديث عنها في مناسبات قادمة .
عند الحديث مع أهل الاختصاص في الميدان الفلاحي من خبراء و مهندسين يطلقون صيحة فزع مدوية بسبب الإجراءات التي آتخذتها السلطات التونسية دون التفكير في خصوصية هذا القطاع، و مدى ارتباطه بالاستهلاك اليومي للتونسيين من مختلف المواد الفلاحية . كما نعلم فإنّ فصل الربيع هو موسم تشبيب عديد المزروعات وتلقيح الغراسات والعناية بها و مدها بمختلف أنواع السماد و المواد العضوية التي من شأنها إنعاشها و علاجها من الفطريات الموسمية الضارة عادة بالنباتات الفلاحية في فصل الربيع. لكن مع توقف مصانع الأسمدة الكيماوية عن الشغل و الإنتاج ،فإن ذلك يهدد مختلف الزراعات التونسية في وجودها أصلا قبل الحديث عن المحاصيل في المستقبل القريب أو في المدى المتوسط .
هذا من ناحية،من دون ان ننسى أن تونس تعاني نقصا فادحا في عديد المواد الفلاحية – كالحليب و الدقيق مثلا على سبيل الذكر لا الحصر – وهي مضطرة لآستيرادها أحيانا من بلدان خارجية بالعملة الصعبة، وهو ما سيزيد في مضاعفة العجز التجاري التونسي المنهار أصلا بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس منذ سنوات عديدة على آختلاف الحكومات المتعاقبة منذ الثورة .
حدث هذا قبل زمن الكورونا ،لكن ما بعدها فإن دول العالم في غالبيتها ستشهد أزمة غذاء و مواد زراعية و غذائية ،وهو ما يجعل الحكومة التونسية غير قادرة على توفير حاجيات شعبها من المواد الغذائية ،و لن تستطيع استيراد ما يحتاجه شعبها من مواد استهلاكية فلاحية حتى و إن توفرت الموارد المالية لتحقيق ذلك .
قرار إقفال مصانع انتاج السماد الفلاحي و العمل الفلاحي عموما في كافة اختصاصاته ،قرار أتخذ على عجل من دون دراسة تداعياته. و قد بدأت بوادر انعكاساته تظهر حاليا في السوق التونسية، حيث ارتفعت الأسعار بصفة مشطة مع فقدان العديد من المواد الزراعية . أزمة آخذة في التصعيد مع قرب حلول شهر رمضان و فصل الصيف اللذين يتضاعف فيهما الاستهلاك عادة في تونس .
ومع بداية بروز سلبيات قرار إيقاف العمل في القطاع الفلاحي ،فإن اتخاذ قرار العودة إلى العمل هو بالصعوبة بمكان ، خاصة في ظل الحجر الصحي في كل القطاعات ، حتى وإن قررت وزارة الفلاحة و الزراعة التونسية استئناف النشاط ولو جزئيا ،حتى توفر بعض المواد الفلاحية الاستهلاكية اليومية للتونسيين، فإن ذلك سيخلق جدلا آخر يتعلق ببقية القطاعات الأخرى التي بدورها تشكو عراقيل كبيرة و صعوبات جمة، وهي تنادي أيضا بالعودة للعمل حفاظا على توازناتها المالية و مصالح عمالها المعطلة بسبب الحجر الصحي العام …
*صحافية تونسية في التلفزيون الرسمي