كتب حلمي موسى من غزة:
ما أن شرعت إسرائيل في حربها الهمجية ضد قطاع غزة حتى بدا أن أحد أهم اهداف هذه الحرب هو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. ودفعة واحدة انطلق قادة إسرائيل للإعلان عن سعيهم، تارة لإقامة مدن للفلسطينيين في سيناء، وتارة لتوزيع الفلسطينيين في أنحاء مختلفة من مصر مندون أخذ بالاعتبار مواقف مصر والفلسطينيين. وسايرتهم أمريكا في ذلك وصارت تناقش الأمر مع مصر ودول أخرى. ومع استمرار الحرب وصمود الفلسطينيين ورفض مصر تناثرت أشلاء هذه الفكرة، لا بشكل دائم ولا بشكل مؤقت.
وقد قاد إلى تراجع الامريكيين عن تأييد الفكرة ما تردد في أوساط العديد من الجهات الإقليمية، ذلك الخوف من أثر مثل هذه الخطوة على استقرار الدول المعنية والاستقرار الاقليمي عموما. وفي كل حال بدا وأن مخطط التهجير يخبو وصارت إسرائيل أقرب إلى تقبل هذا الواقع حرصا على العلاقات مع مصر من جهة ،وعدم استعداء دول عربية والقضاء على فكرة التطبيع من جهة أخرى، خصوصا بعد تراجع الأمريكيين عن ذلك.
لكن الفكرة لم تتراجع في نفوس كل من وزراء التطرف المسيحاني في حكومة نتنياهو ،خصوصا أنهم يمسكون برقبة نتنياهو المستميت للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، والذي لا يريد لهذه الحرب أن تقضي عليه سياسيا وتصفه بأنه زعيم فاشل. وفي مقدمة هؤلاء الوزراء كان بتسلئيل سموتريتش وبن جفير. وقال سموتريتش: “لقد حان الوقت لتجربة شيء مختلف وهو التمكين، من خلال جهود المجتمع الدولي بأكمله، من التوصل إلى حل إنساني لسكان قطاع غزة في بلدان أخرى من العالم. بالمناسبة، لقد حدث هذا لملايين اللاجئين في السنوات الأخيرة في مناطق الصراع والصراع العالمي ، في الحرب في سوريا، والآن في أوكرانيا وأماكن أخرى. لن تعود غزة لتكون مرتعا لمليوني شخص محتجزين رهائن هناك في محنة ويكبرون مع طموح تدمير دولة إسرائيل، لأن هذه هي الطريقة التي تمت تربيتهم بها لمدة ثمانية أجيال، وأن الحل للفقر والاكتظاظ والمصاعب هو في العودة إلى يافا وحيفا وطبرية، وهو يمر عبر دولة إسرائيل. وغزة لن تعود إلى هذا المكان”.
واضاف سموتريتش حول رؤيته المستقبلية في ما يتعلق بغزة، أنه “بالإضافة إلى تشجيع الهجرة، ستسيطر إسرائيل بشكل دائم على أراضي قطاع غزة لضمان الأمن، وحان الوقت لنا أن نفهم ونواجه هذا أيضًا بعد كل هذه السنوات الطويلة، حيث لا يوجد ألا وجود مدني واستيطان. هناك جيش وأمن لفترة طويلة. وحيثما لا نتواجد مدنيا، فمن المستحيل الحفاظ على جيش لفترة طويلة وخلق الأمن. وآمل بصدق أنه بعد 7 أكتوبر، سيعود الناس ليكونوا أكثر انفتاحا على طريقة تفكير مختلفة لصالح دولة إسرائيل”.
من جانبه قال الوزير بن جفير: “يجب علينا تعزيز حل تشجيع هجرة سكان غزة. إنه حل صحيح وعادل وأخلاقي وإنساني. وأدعو رئيس الوزراء ووزير الخارجية الجديد إلى ذلك. هذه هي الفرصة لتنسيق مشروع الهجرة الآن، مشروع لتشجيع هجرة السكان من غزة إلى دول العالم. لدينا شركاء حول العالم يمكننا مساعدتهم، هناك شخصيات حول العالم يمكننا الترويج من خلالهم لهذه الفكرة. إن تشجيع هجرة سكان غزة سيسمح لنا بإعادة سكان الغلاف وسكان غوش قطيف إلى وطنهم”.
وبشكل لافت ردت الإدارة الأمريكية بحدة على كلام سموتريتش. وأعلن بيان نشره المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميللر، أن “هذا الخطاب تحريضي وغير مسؤول. لقد أبلغتنا الحكومة الإسرائيلية مراراً وتكراراً، بما في ذلك رئيس الوزراء، أن تصريحات من هذا النوع لا تعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية وعليهم (بن جفير وسموتريتش ) أن يتوقفا فوراً عن مثل هذا الكلام. لقد كنا واضحين وثابتين ولا لبس فيه في أن غزة هي أرض فلسطينية. وستظل أرضا فلسطينية حتى عندما لا تعود حماس تسيطر عليها. هذا هو المستقبل الذي نتطلع إليه لصالح الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة المحيطة والعالم”.
ويبدو أن إدارة بايدن حثت عددا من أتباعها في العالم على ترديد هذا الموقف. فسارعت الحكومات الألمانية والبريطانية والفرنسية إلى اطلاق تصريحات مشابهة حول رفض تهجير سكان القطاع طوعا او قسرا. كما أطلقت دول أخرى مواقف مشابهة. لكن كان بالغ الأهمية مسارعة مصدر سياسي إسرائيلي إلى إعلان موقف جديد. وتعبير مصدر سياسي في وسائل الإعلام الإسرائيلية غالبا ما يشير، إما إلى رئيس الحكومة شخصيا أو إلى ديوان رئاسة اللحكومة.
اعتبر هذا المصدر في إشارة لتصريحات سموتريتش أن “هناك في إسرائيل من يعتقد أن غزة ستكون مستعدة للهجرة الطوعية. في رأيي هذه أوهام لا أساس لها من الصحة. لن تستقبل أي دولة مليوني شخص، ولا مليون، ولا 100 ألف ولا 5000. لا أعرف من أين جاء هذا الأمر.” وبحسب كلامه الذي عمم على كل وسائل الإعلام الإسرائيلية قال: “نحن لسنا في هذا العمل لأننا لا نستطيع القيام بذلك أيضا. لنفترض أن سموتريتش أراد أن يفعل ذلك، ماذا يمكنه أن يفعل؟ إنه ليس صاحب علاقات. نحن لسنا في وضع من يعرف كيفية القيام بذلك ودفع الناس من هنا إلى بلدان أخرى”.
وأشار إلى نفي رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أي دور له في هذا الأمر. وأعتبرأن إثارة هذا الموضوع أمر مثير للسخرية. ” وخلص الى أنه: “يمكنك إسقاط قضية الهجرة، فنحن لسنا في هذه الحلقة”.
وشدد المراسل السياسي لموقع والا الاخباري باراك رافيد على أن تصريحات المصدر السياسي الإسرائيلي ترمي إلى امتصاص غضب الأمريكيين وحلفاء إسرائيل الأوروبيين الذين أعربوا عن قلقهم إزاء تصريحات الوزيرين سموتريتش وبن جفير حول هذا الموضوع، وطمأنتهم بأن هذه التصريحات لا تمثل موقف الحكومة الإسرائيلية.
وكان هذا المصدر قد نفى أيضا الأنباء التي أشارت إلى أن حكومة نتنياهو تجري اتصالات مع دول كثيرة وخصوصا في أفريقيا لقبول لاجئين فلسطينيين. وقال إن إسرائيل لا تجري أي حوار أو مفاوضات مع أي دولة بشأن هجرة الفلسطينيين من غزة.
ومن المنطقي اافتراض أن جانبا من رد المصدر السياسي الإسرائيلي على تصريحات سموتريتش وبن جفير حول التهجير الطوعي تتصل أيضا ببدء المحكمة الدولية النظر في طلب جنوب أفريقيا مناقشة جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. وقد أثار هذا الطلب مخاوف جدية في إسرائيل إن لم يكن من الناحية القضائية فعلى الأقل من الناحية الإعلامية وأثرها على الرأي العام العالمي.
وقد أدان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل تصريحات سموتريتش وبن جفير، واعتبر أن تهجير الفلسطينيين يخالف القانون الدولي. وقال: “أدين بشدة التصريحات التحريضية وغير المسؤولة للوزيرين الإسرائيليين بن جفير وسموتريتش اللذين هاجما السكان الفلسطينيين في غزة، ودعوا إلى خطة تؤدي إلى هجرتهم. إن التهجير القسري للسكان هو عمل محظور بشدة ويُعرف بأنه انتهاك خطير للقانون الدولي.”