سياسةصحف

تماثيل الشمع بين كاليغولا ودراكولا(نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:

 

 بكل ما أوتينا من الجنون، وبكل ما أوتينا من اليأس، نسأل “لمن الأولوية في العقل السياسي العربي، الصراع العربي ـ “الاسرائيلي” أم الصراع السني ـ الشيعي”؟ وقد احترفنا على مرّ العصور الاقامة اما في القبور أو في الكهوف.

 هكذا يقوم جدار النار بين ضفتي الخليج. قد يكون الصراع التاريخي أو الصراع الاستراتيجي، لكنه الصراع المذهبي، والا لكان الصراع العربي ـ التركي يتقدم عليه، بعدما ألقى بنا العثمانيون، وعلى مدى أربعة قرون، على قارعة الأزمنة، وعلقوا جثثنا على حبال المشتقة، دون أن ننفي رغبة الطرفين في اعادة التاريخ الى الوراء، واستعادة الألق الأمبراطوري، بتلك اللعبة الجيوسياسية الساذجة، كما لو أن الشرق الأوسط ليس رقعة الشطرنج، وحيث الأميركي اللاعب الوحيد…

 تاريخنا وحده هو الذي يعود الى الوراء. الصراع العربي ـ العربي يتقدم أي صراع آخر. لطالما قلنا إن حجر قايين ظل يتدحرج عبر الأزمنة الى أن استقر في عقر دارنا. المستشرقون سخروا منا كثيراً. قد تندلع الحروب بين الأمم أو بين القبائل من أجل امرأة، ولكن من أجل ناقة؟ هذا ما حدث. حرب داحس والغبراء استمرت 40 عاماً، ربما ما زالت حتى الآن.

 كيف استيقظ الأتراك ودخلوا في الزمن التكنولوجي، وكيف استيقظ الايرانيون بتلك النزعة الايديولوجية العاصفة، ولم يستيقظ العرب حتى لتحقيق السوق المشتركة ولو لتبادل علف الدجاج، بالرغم من امكاناتهم البشرية والطبيعية الهائلة؟

 اذاً ما الذي يحول دون بنيامين نتنياهو واقامة الأمبراطورية اليهودية؟ وما الذي يحول دون دونالد ترامب وتحويل غزة من مقبرة للفلسطينيين الى كازينو لضيوف الشرف في لاس فيغاس أو في البيفرلي هيلز، بكل صفاقة (أم بكل واقعية؟). السناتور الأميركي راندي فاين رأى أن مشروع ترامب لتحويل غزة الى “ريفييرا الشرق الأوسط”، يغري الأثرياء العرب أكثر مما يغري الأثرياء “اليهود”!

 انها الغرنيكا العربية بكل تجلياتها، ثم ننتظر من قمة القاهرة مقررات تفجر رأس نتنياهو أو تلامس رأسه. ثمة دول عربية تحولت، وبفعل الوضع العربي اياه، الى حطام سياسي أو اقتصادي أو مالي، أو حتى الى حطام سوسيولوجي (وهنا الكارثة الكبرى). وثمة حكام عرب لا يملكون حتى صلاحية تبديل ملابسهم الداخلية. في هذه الحال، كيف لنا أن نواجه ذلك الكاليغولا في واشنطن، والذي يفعل أكثر بكثير من أن يعيّن حصانه كاهناً أو وزيراً، أو أن نواجه ذلك الدراكولا الذي يفعل أكثر بكثير مما فعله مصاص الدماء.

 في عام 2002، أزالت قمة بيروت وبالخط العريض، أي ذكر للبعد العسكري في الصراع العربي ـ “الاسرائيلي”. أحلت محله البعد الديبلوماسي الذي قد يوصل، ولو زحفاً على البطون، الى الدولة الفلسطينية، بعدما قال مفكر فلسطيني ان ياسر عرفات يريد دولة ولو على ظهر حمار. عرفنا أن العرب يصرون ـ حتى اشعار آخر ـ على الدولة الفلسطينية. لا أحد منا سأل أي دولة، حتى “الاسرائيليون” لم يسألوا. الاجابة على شاكلة أي دولة عربية أو على شاكلة أي مخيم.

 رجاء اذهبوا الى مخيم عين الحلوة وشاهدوا النموذج. فضيحة انسانية في القلب اللبناني وبكل المعايير، وفضيحة سياسية في القلب الفلسطيني وبكل المعايير. أحياء موزعة على الفصائل، وتفصل بينها خطوط التماس. في أحيان كثيرة المتاريس أو الستائر الترابية. هل ثمة من مشهد أشد هولاً. لا الصراع العربي ـ “الاسرائيلي”، ولا الصراع العربي ـ الفارسي، ولا الصراع العربي ـ التركي، الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني. ما الغرابة هنا، ألسنا أمام الصراع اللبناني ـ اللبناني بكل جنونه السياسي والطائفي، وأمام الصراع السوري ـ السوري، وهكذا دواليك على امتداد القارة العربية؟!

 الحرب الأخيرة جعلتنا أكثر اقتناعاً بعبثية أي حرب في ظل المعادلات الحالية. انه الطوفان الأميركي في منطقة كيف لها أن تدخل في لعبة القرن، وهي مبعثرة على ذلك النحو المروع، وهي مفتتة على ذلك النحو المروع؟ الأرمادا الأميركية بكل جبروتها على الأرض، بل على كل الكرة الأرضية. لا نقول بالحرب الكلاسيكية، مع أننا نمتلك آلاف الطائرات وآلاف الدبابات، ما دمنا في مجال التكنولوجيا العسكرية نستورد حتى عيدان الثقاب. موشي دايان احتل ثلاث دول عربية في غضون ستة أيام. في اليوم السابع ارتاح (كما يقول الكتاب المقدس) في مزرعة البطيخ في النقب. هذه هي الحقيقة…

 هذه هي المعادلة الآن. “الاسرائيليون” لا يقاتلون الا عبر الأميركيين، والعرب لا يفاوضون الا عبر الأميركيين. لكن المشكلة أن “الاسرائيليين” شيء في نظر الأميركيين، والعرب شيء آخر. كل الوقائع تدل على أننا لا شيء.

 كلبنانيين وكعرب، ممنوع أن نرفع اصبعنا في وجه بنيامين نتنياهو. “الاسرائيليون” يغرزون أظافرهم في وجهه، ويتحدثون عن مأزق الرجل الذي لا يستطيع البقاء الا في دوامة الدم، لنقرأ لجدعون ليفي أن ترامب يستطيع أن “يقتل” نتنياهو باخراجه من الخندق، وقد لاحظنا مدى اصراره على استئناف القتال.

الى اشعار آخر. ربما الى زمن آخر، عالقون كما تماثيل الشمع بين كاليغولا الأميركي ودراكولا “الاسرائيلي”. ثمة كائن عربي ويدعى… غوار الطوشي!!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى