بقلم عمار مروة
في عيد الاضحى المبارك وقف ملائكة الكورال المدرسي لمؤسسات الامام الصدر وقفة شموخ فني امام التحدي الذي يواجهه اهل مدينتهم صور ،كجزء من شعبهم اللبناني الذي يرزح تحت طغيان هذه الازمة التي لم يسبق ان واجهتهم قبلاً، متصدين لها بكل امكاناتهم الفنية والروحية والمعنوية.
يقف الكورال وقفة عز فني ديني روحي وهو يؤدي تهاليل وتراتيل الأضحى، كما لم يقدمها احد بهذة الطريقة الفنية المُبتكرة من قبل وكأنه يقول :نحن لن نتراجع ولن نسقط.
ادت فتيات الكورال إنجازها هذا بتركيب صوتي متجانس هارمونياً بأربع طبقات صوتية ،تضم بين اطيافها نشيدي ” لبيك اللهم لبيك” مُدمج بتكبيرات العيد . ويعود الفضل لهذا الانجاز المبني على تفكير موسيقي بوليفوني متطور ينبع من جذور مقامات الموسيقى العربية الاصيلة التي ترفض الاستغراق في حنين الرتابة الى ماض معلوك بالتكرار، لا يقبل التحدي بالوقوف بصلابة امام اصوات العصر التي تطالبنا بالابداع في تطوير عوالم اصوات تراثنا.
ونظراً لأهمية ما انجزاه الفنانان الاخوان ديانا وراجي مصطفي في تحقيق هذا الانجاز الموسيقي الذي ادته فتيات الكورال، وكي لا يمر انجازهم الجديد هذا مرور الكرام دون اضاءة على اهميتة الثقافية سواء الموسيقية الليتورجة – او الشعبية التراثية، اشعر انه من الواجب والضروري شرح وتحليل هذا الانجاز غير المسبوق في صياغة الاناشيد الدينية بهذه الجرأة والحرفية الابداعية، حيث أن أهم انجاز في هذين العملين المُدمجين ببعضهما ( وهما : لبيك اللهم لبيك + تكبيرات العيد) هو ضبط ايقاعهما جيدا بتوازن دقيق سمح بالتحكم بشكل ومضمون نسيج التوزيع الذي ضمهما معاً، بما يلائم الصورة المطلوبة لمعنى الإبداع في التجديد.
هذان العملان هما في الأساس مبنيان على مقام الهزام ما سمح للموسيقي المبدع راجي مصطفى بتحقيق فكرة دمج العملين بانسجام وبشكل متناسب لافكارة الراقية وغير المسبوقة.
انجز راجي الفكرة على سرعة Adagio البطيئة، وأتم عمل مقدمة مناسبة لها قبل الدخول على مقام النهوند، ثم دخل بعد المقدمة على مقام الهزام بانسجام لحني. اختار راجي ان يدخل على مقام الهزام على درجة “الفا نصف دييز” لكي يتناسب مع الطبقة الخاصة بمساحة كورال الفتيات الصوتية من جهة، وعلى المقدمة ب”ِنهوند الري” من جهة اخرى.
في هذا العمل تم التركيز على التوزيع بالأصوات البشرية ليكون مناسبا للأجواء الدينية والروحية ،لما لهذا العمل من اهمية من حيث توقيته في يوم عرفة واجواء عيد الأضحى المبارك.
تم انجاز توزيع هارموني متكامل ذي ٤ اصوات لكورال الفتيات في المقدمة الموسيقية، ومع تواجد وسادة خلفية للاصوات البشرية للرجال مرافقة للكورال، متلازمين مع وجود لوازم موسيقية بشرية نسائية مرافقة ايضا. وتم الانتقال بعدها الى العمل الرئيسي الأول “لبيك اللهم لبيك” على مقام الهزام على درجة “الفا نصف دييز” مع اضافة عدة اصوات هارمونية مرتكزة على الصوت الأقل بثلاث درجات من اللحن الرئيسي ،وصوت الأقل بخمس درجات من اللحن الرئيسي، حيث بهذة الطريقة أكمل الى نهاية العملين.
في العمل الثاني دمج راجي “تكبيرات العيد” حيث اضاف الطبول في الخلفية لتعزيز جو ملحمي للعمل واعطائه طابع الضخامة. والطبول الاوركسترالية الضخمة تم استيحاؤها من فيلم الرسالة عند دخول المسلمين الى مكة اول مرة منتصرين بتكبيرات العيد مع مرافقة الطبول بشكل غير منظم وقتها ايقاعياً مع التكبيرات، ولكن في عمل راجي هذا أعاد تنظيم الايقاعات لمرافقة التكبيرات.
اما تكبيرات العيد عند كلمة “سبحان الله” فأنجز راجي تكرار هذه الكلمة، مضيفاً هارمونيات مكثفة للتركيز عليها بإضافة مميزة عليها لتصل الى ذروة موسيقية قصوى مناسبة. وفي اخر العمل تم تكثيف خلفيات الاصوات البشرية واللوازم الموسيقية للوصول الى نهاية مناسبة ومكثفة للمستمع.
وأود أن الفت النظر الى ان هذا العمل هو الاول من نوعه (حسب المصادر التي اعرفها او اطلعت عليها) لانه تم بأصوات فتيات وليس بأصوات الرجال كما جرت العادة، وايضا بأنه تم بصوت كورالي منظم وملائم لكي يكون مناسبا للأجواء الدينية المطلوبة.
قد يمر هكذا عمل لاكثرنا مروراً عابراً كون العامة لا تفقه اهمية هذه التفاصيل المثيرة المبتكرة والواعدة. اما للعارف فلا يسعه الا ان يقف احتراماً رافعاً قبعته بإكبار لافكار الفنان راجي الطليعية الجريئة في مجال موسيقي انشادي ليتورجي مُحنط بالماضي، ومُغلق بالصنمية واجترار الذات والتراث، بما لا يفضي بنا معه الى شيئ سوى الجمود والتحجّر امام عصر يسير بتسارع مخيف الى آفاق تتطور وهي تنادينا لدخوله ،ولكننا نبدو وكأننا نراوح انفسنا ثابتين في وقوفنا ومراوحتنا للزمن ،وكأننا نحيى الجديد ونحن في العصر الحجري ؟!.
لابد من وقفة عرفان وتقدير لجهود هذا الكورال بقيادة الاخوين الفنان الموسيقي والموزع راجي وشقيقته المايسترا ديانا مصطفى.
زر الذهاب إلى الأعلى