د. رولا أبو شقرا*
جرت يوم أمس السبت انتخابات الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، وخيضت “معركة ” تحصل للمرة الأولى منذ 20 عاما، فقد درجت العادة ألا تبصر الهيئة التمثيلة للأساتذة النور الا بالتوافق.
وعليه ينبغي أن يبدأ التقويم على المستوى النقابي من هنا، فإن فكرة الانتخابات وتنافس اللوائح وخوض معركة بوجه أحزاب الطوائف هي فكرة “تقدمية” بحد ذاتها بصرف النظر عن مجريات العملية الانتخابية والنتائج المحققة في صندوق الاقتراع.
لقد خاض هذه المعركة إطار نقابي في طور التأسيس يسمى “جامعيون مستقلون”، ويطمح هذا التجمع لأن يلعب دورا ما داخل قواعد الاساتذة واطرهم النقابية، في سبيل النهوض بالجامعة واصلاحها وحماية حقوق اساتذتها.
في الحقيقة، جاء القرار” بالمنازلة النقابية ” بتحفيز ثلاثة محددات: أجواء البلد السياسية ما بعد “ثورة 17 تشرين” ،وموعد الانتخابات داخل الرابطة وحراك الأساتذة الذي لا يزال يتفاعل ضد مشروع موازنة العام 2021 الذي قضم حقوقهم التاريخية وبشر بمستقبل قاتم للجامعة وأهلها.
يمكن القول، وبصرف النظر عن أي تقويم “للتجمع الفتى” و رؤيته وآفاقه، فإنه مثل حالة إيجابية في الانتخابات ووضع الأساتذة امام اختيارات، منشطا جسمهم النقابي المترهل بفعل التلطي الدائم لهذه الفئة “النخبوية” بأجنحة أحزاب تدخلها الى “جنة التعليم الجامعي الرسمي” وتربطها بها حتى الخروج من الجامعة الى التقاعد نظرا لحجم التدخل السياسي في الشأن الوظيفي للجامعة فلا يكون ممكنا الانتقال من وضع وظيفي الى اخر من دون فعل سياسي لهذه الأحزاب.
لقد كشفت هذه الانتخابات، أن قوى السلطة المختلفة على الحصص، والتي تعلق مسار تشكيل حكومة في البلاد، تدرك أنه ينبغي ان تخوض الانتخابات النقابية مجتمعة، متفقة، متآزرة وهي خاضت ببراعة المعركة الانتخابية وجعلت المستقلين يقدمون لها بإرادتهم أو بالرغم عنهم لزوم ميثاقيتها الطوائفية، وذلك بعد أن غاب عن لائحة السلطة التمثيل العوني والقواتي.
ان هذا التحالف الهجين، وان كان اجرائيا، عامل قوة في الصندوق، فهو يمثل إشارة ضعف في السياسة وهي إشارة درجت هذه القوى على تقديمها مؤخرا في معظم الانتخابات النقابية التي خاضتها.
وبالرغم من مشهدية الانتخابات وإيجابيتها بحد ذاتها، فلقد اعادت انتاج ما كان يمكن انتاجه بصيغة التوافق القديمة، وبدت قوى الطوائف منتصرة ومختارة، فيما ظهرت القوى” المستقلة” مشتتة الصفوف ربما بفعل عدم تبلور هويتها وهوية مرشحيها على المستويين السياسي والنقابي علما ان لائحة التجمع ضمت عددا من المرشحين لا علاقة فعلية تربطهم به الا قبيل لحظة الانتخابات، بينما ادارت الأحزاب المعركة باحتراف وطعمت لائحتها، في خطوة ذكية، بوجوه وصفتها ” بالمستقلة” أيضا.
وفي مقابل “رص صفوف قوى الطوائف”، كان التشطيب واضحا داخل ” البيت المستقل” وهو فعل مارسه على ما يبدو “رفاق المعركة” كما لعب عليه “اتحاد الطوائف” بغرض بث الفرقة بين المستقلين.
ان خوض الفريقين للوائح غير مكتملة كسر حماوة المعركة فبدا الامر كما لو انه توافق ضمني بين الخصمين المتنافسين .ففريق الأحزاب اتجه صوب تحقيق ميثاقية الهيئة التنفيذية بمنح أصواته لثلاثة مرشحين مسيحيين من اللائحة المنافسة، وشرع البعض يصرح بأن أصوات الأحزاب هي التي انقذت التجمع من خسارة ساحقة، فيما التجمع ترك لائحته غير مكتملة، إما اتاحة في المجال لبعض المرشحين المنفردين وإما لأنه ثمة مشكلة ترشح على هذه اللائحة لذا لم يكن بالإمكان جعلها مكتملة.
اما وقد فاز من فاز وخسر من خسر، ماذا بعد؟
تبدو المهمة الملقاة على عاتق “المستقلين” شاقة وطويلة في ظل انصياع الأساتذة السهل لأحزاب الطوائف، خصوصا ان التشكيك بمعنى وهوية المرشح المستقل مبررة الى حد بعيد. فما معنى ان يكون المرشح مستقلا الا في فكرة الاستقلال عن الأحزاب التقليدية؟ وهل يصنع الاستقلال عن الأحزاب التقليدية هوية واضحة للمستقلين؟ أسئلة كثيرة على أهميتها لا يمكن ان تتبلور إجابات سريعة عليها بالرغم من الحاجة الفعلية لقوى الاعتراض في جامعة تبدو مصادرة بالكامل من قبل السلطة.
الأخطر من كل ذلك، ان الأساتذة سيخوضون معاركهم النقابية المقبلة بهيئة تشبه في تركيبتها الهيئات السابقة في ظل استحقاقات مصيرية تنتظر الجامعة وأهلها، فهل من امل بتحركات منتجة وفعالة في المدى المنظور تلبى بعض طموحات الأساتذة؟
سؤال طرحته، بأشكال مختلفة، نقاشات الأساتذة في مجموعاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي قبل هذه الانتخابات وبعدها.
*أستاذة في معهد العلوم الاجتماعية – الجامعة اللبنانية
زر الذهاب إلى الأعلى