تفجير المرفأ يستكمل حلقة التآمر على المقاومة
المراقب للأوضاع القائمة والمستجدة منها خاصة ،يشعر أن فصول التآمر على لبنان وقوته المقاوِمة للكيان الإسرائيلي ،تبرز راهناً بأقوى ملامحها العامة والخاصة، ويتجلى ذلك بالتكتيك التفصيلي والاستراتيجي في الداخل والخارج.
فلقد بدأت الصورة شبه مكتملة عند التدهور الاقتصادي الحاد منذ أكثر من ثمانية أشهر مع ارتفاع سعرالدولار وغلاء الأسعار وضياع الطبقة المتوسطة التي حافظت على وجودها فترة طويلة من الزمن ولو على نحو غير مهيمن. ثم بدأت حركة الانتفاضة في 17 تشرين والتي كانت ردة فعل شعبية عامة ثم ما لبثت أن تبدّل توجهها لتطال العهد والمقاومة ومن يسير في ركابهما، والدعوة إلى نزع سلاح المقاومة وهو ما لم يطالب به المتظاهرون في الأيام الأولى، حتى اكتمل المشهد باستقالة الرئيس سعد الحريري. وجاء ما يسمى بقانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة على سوريا وبالتالي لبنان الذي لا يمكن أن يكتمل وجوده الحقيقي دون جارته التي تمثّل الرئة الوحيدة لتنفسه بسبب الجغرافيا الخاصة التي يعيش في رحابها. وجرت محاربة حكومة الرئيس حسان دياب التي اعتُبرت حكومة حزب الله نظراً لمشاركة الحزب في تأليفها وتواجد ممثلين له فيها. وتُوّجت المستحدثات في هذا البلد الصغير بانفجار المرفأ والأضرار الهائلة التي حلّت بالبشر والحجر والممتلكات العامة والخاصة.
وبدأت أناشيد الدعوة للتغييرات الجذرية من الداخل كاستجابة للأوامر الخارجية، فنادى البطريرك الراعي بالحياد الناشط في لبنان منذ أسابيع لتعلو نبرته بعد تفجير المرفأ، ثم كانت الدعوة المريبة لتحقيق دولي واستقالة الحكومة ورئيس الجمهورية والمجلس النيابي، ويرتفع الصدى أخيراً بالمناداة بحكومة حيادية مستقلة، أي باختصار ودون مواربة بعدم وجود المقاومة بين وزرائها، وبالتالي انعدام القدرة السياسية في القرار والمصير. مع أن الديمقراطية التي يدعو إليها الغرب تفرض الحكم والحكومة لصالح من يمثّل الأكثرية في البرلمان، لا أن تفرض الأقلية نوع الحكومة ومن يمثّلها.
أما التحرّك الخارجي فبدأت تجلياته تظهر تباعاً بعد كارثة انفجار الرابع من آب، حتى انتشرت السفن العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية، ليكون العذر مساعدة لبنان للتغلب على جروحه بعد الانفجار وتشكيل حكومة جديدة يرضى عنها اللبنانيون. والغريب في الأمر أن الاهتمام العربي والغربي انقطع عن لبنان في أشد حالات التأزم الاقتصادي والمعيشي التي عاشها بسبب عدم ثقة الدول بسلطته المفسدة، ولتواجد حزب الله في الحكومة.
ولذلك لا نشكُّ بعد كل الأحداث المتنوعة في لبنان بأن كارثة المرفأ لم تكن عرضية بل بفعل فاعل أراد تحميل المقاومة المسؤولية المباشرة، وقد رأينا كيف تكالبت بعض المحطات اللبنانية والعربية على اتهام الحزب بذلك، بالإضافة إلى الاتخاذ من هذا التفجير فرصة للتدخّل الصارخ في لبنان وشؤونه الداخلية لفرض سلطة جديدة بعد أن سئم الناس من فساد السلطة القديمة، وتشكيل حكومة لا شك ستتخذ منحى مختلفاً يصبّ في مصلحة إسرائيل والحدود البحرية والبرية، وتعديل مهام اليونيفيل لتكون خط الدفاع الأول لمصلحة الكيان، بالإضافة إلى بسط السيطرة على الحدود مع سوريا والمرافئ الأخرى كما دعا ذلك هيل وبصراحة وقحة عند زيارته للبنان.
الأمور في الداخل والخارج لا تدعو إلا لما يثير الشك والريبة بوجود تآمر واضح وصريح على المقاومة وبيئتها الحاضنة وحلفائها من مختلف المناطق والمشارب في الداخل اللبناني، إذ لم يعد ما يقلق الإسرائيليين والأميركيين، بعد التسابق العربي للصلح الرسمي مع إسرائيل، سوى ما تحمله المقاومة من إزعاج يقلق مضاجعهم ويمنع أطماعهم من أن تجد لها طريقاً على أرض الواقع المستسلم والخانع إلا ما رحم ربي. ولذلك علينا جميعاً ألا نغفل عما يدور في الخفاء والعلن، في حركة المساعدات الهائلة التي تصلنا بشكل يكاد يكون هستيرياً، والتصريحات التي تقول الشيء ونقيضه، ودعوات السياسيين في الداخل التي تنبئ بنيات خبيثة، والإعلام اللبناني في مجمله الذي يسير على وتيرة واحدة في دسّ السمّ في قضايا إنسانية مأساوية وكأنها رقص على الجثث.
لا شك أننا نعيش في مرحلة صعبة يتطلب منا أن نكون على قدر المسؤولية على ألّا نسقط في أوهام الضعف لأننا أقوياء داخلياً مهما عصفت النوائب من حولنا، كما أننا أقوياء من خلال محور يزداد قوة في كل يوم.