تعيين سيمون كرم.. بين الضغط والتفاوض وبداية المسار الأخطر(أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز
يأتي تعيين السفير سيمون كرم ممثّلًا للبنان في لجنة «الميكانيزم» في لحظة تختلط فيها الحسابات الأمنية بالمشاريع السياسية الكبرى، فيما تتسابق الضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية لفرض وقائع تتجاوز الجنوب نحو هوية الدولة نفسها.
فالخطوة التي ظهرت في البداية كتفصيل تقني ضمن إطار تفاوضي ناشئ، سرعان ما تكشّف أنها ليست مجرد تسمية اسم جديد، بل جزء من سياق أوسع يُراد له أن يشكّل منعطفًا في طريقة تعامل لبنان مع الصراع ومع ذاته.
السؤال الأول الذي طُرح لم يكن إداريًا: لماذا الآن؟ هل هو مسعى لفرملة الاندفاعة الأميركية ـ الإسرائيلية؟ أم محاولة لشراء الوقت قبل أن تتضح اتجاهات الميدان؟ أم أنه البوابة الإلزامية لمسار تفاوضي لا أحد يعرف حدوده، لكنه يتقدّم، ولو ببطء، نحو هدف يتجاوز وقف النار؟
الوقائع تشير إلى أن واشنطن وتل أبيب لا تتعاملان مع «الميكانيزم» بوصفها أداة لترسيم الحدود أو تنظيم الانسحابات. فجوهر المشروع يقوم على استخدام المسار التقني كرافعة سياسية تسعى إلى إعادة تشكيل علاقة لبنان بالمقاومة، بما يفضي، في نهاية المطاف، إلى تعديل بنية النظام السياسي نفسه. ومن خلال هذا التعديل، يصبح لبنان أقرب إلى نموذج «الأمن المُطبّع» الذي تسعى إليه إسرائيل منذ سنوات. خطابها واضح: الأمن أولًا، والسيادة لاحقًا، والنتيجة نظام لبناني جديد «متوافق» مع متطلبات إسرائيل.
ومع أن لبنان يدرك خطورة الانخراط غير المحسوب في هذا المسار، إلا أن تسمية كرم جاءت كمحاولة لتخفيف الضغط الدولي من جهة، وإدارة الوقت من جهة ثانية، بانتظار أن تُعيد التطورات الإقليمية فرملة الطموحات الإسرائيلية. لكنها أيضًا اعتراف ضمني بأن تجاهل الضغوط لم يعد ممكنًا.
إلا أن المشكلة الكبرى ليست خارج الحدود فحسب. فالانقسام اللبناني الداخلي ـ حيث يذهب بعض القوى إلى حد التماهي مع الطرح الإسرائيلي تحت عنوان «التغيير الضروري» ـ يمنح تل أبيب وأميركا شعورًا بأن اللحظة مؤاتية لفرض ما عجزت عنه الحروب. وعند هذه النقطة، يصبح التفاوض بالنسبة إلى إسرائيل وسيلة أكثر فاعلية من القوة العسكرية، لأنه يسمح لها بالاقتراب من الهدف الأكبر: تحويل لبنان تدريجيًا إلى مساحة سياسية وأمنية «متصالحة» مع وجودها.
ومع أن إسرائيل ليست في موقع يمكّنها من فرض شروط كاملة في ظل استمرار المواجهات والضغوط على حكومتها، إلا أنها تراهن على أن انهيار الدولة اللبنانية، أو اهتزازها العميق، يمكن أن يفتح الباب أمام «تسويات اضطرارية» تصبّ في صالحها.
هنا يصبح تعيين سيمون كرم خطوة متعدّدة القراءات: فهي ليست إعلان تراجع لبناني، ولا هي رفض مطلق للمسار. إنها محاولة هشّة للمناورة بين ضغط الخارج وفوضى الداخل. محاولة للحفاظ على ما تبقّى من هامش القرار السيادي، في لحظة يُراد فيها تحويل لبنان إلى مختبر سياسي جديد تحت سقف «الميكانيزم».
لكن السؤال الأخطر يبقى في نهايته:
هل التفاوض المطلوب هو وقف النار… أم وقف هوية لبنان كما نعرفها؟
وهل ما يُعرض على لبنان اليوم هو تسوية، أم بداية مسار تطبيع مقنّع، يُفرض تدريجيًا تحت الضغط، ويتقدّم خطوة خطوة تحت التهديد بأن البديل هو الانهيار الكامل؟
حتى اللحظة، يمشي لبنان على خطّ بين دولتين:
دولة تقاوم الضغط، ودولة تُدفع نحو قبول وقائع جديدة… وقائع قد لا تُسمّى تطبيعًا صراحة، لكنها تحمل روحه، وتُرسم حدوده، وتُفرض بيدٍ تمتدّ من وراء «الميكانيزم».
وإذا استمرت المعادلة على هذا النحو، فقد يجد لبنان نفسه أمام أخطر خيار في تاريخه الحديث: إما الانصياع تحت التهديد، أو مواجهة تحول سياسي يُراد له أن يكون بوابة التطبيع من الخلف.



