إقتصادمصارف

تعميم مصرف لبنان رقم 3 وعلاقته بزيارة وفد الخزانة..وانعكاساته على الاقتصاد الوطني (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

 

اليوم في 14 تشرين الثاني 2025 أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 3 اساسي ، يستهدف المؤسسات المالية غير المصرفية المرخصة من قبل مصرف لبنان ، وذلك في سياق ضغوط دولية ومحلية كبيرة يتعرض لها لبنان على كافة المستويات. وقد جاء الإعلان عن التعميم بعد أيام فقط من زيارة وفد رفيع المستوى من وزارة الخزانة الأمريكية إلى بيروت بقيادة جون هيرلي، وكيل الوزارة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية .

 ركزت الزيارة على تجفيف المصادر المالية لحزب الله ، حيث قدّر الوفد الأمريكي تحويل أكثر من مليار دولار من إيران إلى الحزب خلال هذا العام ، معظمها عبر شركات الصرافة كما سرب من معلومات .

يضاف الى هذه الزيارة الضغط التي تمارسه مجموعة العمل المالي (FATF   ) والتي أدرجت لبنان على اللائحة الرمادية في تشرين اول من العام 2024 ، للدول التي تحتاج إلى مراقبة مكثفة بسبب أوجه القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب .

 يهدف تعميم مصرف لبنان بالشكل إلى معالجة هذه الثغرات كخطوة نحو إخراج لبنان من هذه القائمة، التي تسبب ضررًا بسمعته الدولية وتعيق تدفق الاستثمارات ، كما يهدف الى السيطرة على الاقتصاد النقدي الموازي بسبب الأزمة المالية والقيود المصرفية منذ عام 2019 . فبسبب هذه الازمة انتعشت العمليات المالية خارج النظام المصرفي الرسمي، وخاصة عبر شركات الصرافة والتحويل ما يخلق بيئة يصعب تتبعها ومراقبتها  ،  ويسعى التعميم إلى إعادة جزء من هذه التدفقات إلى دائرة الرقابة.

يركز التعميم الجديد على جميع المؤسسات المالية غير المصرفية، بما فيها شركات تحويل الأموال وشركات الصرافة ، وأصبحت هذه المؤسسات مُلزمة بدءًا من كانون اول 2025 بما يلي :

  •      جمع المعلومات :  يجب عليها جمع البيانات والمعلومات الكاملة عن عملائها وأي عملية نقدية تبلغ قيمتها ألف دولار أمريكي أو يزيد .
  •      الإبلاغ الفوري:  يجب إرسال هذه المعلومات إلى مصرف لبنان في غضون 48  ساعة من إتمام العملية .
  •      الهدف المعلن:  منع انتقال الأموال غير المشروعة ، والامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب .

اما الانعكاسات المتوقعة على تطبيق هذا التعميم فلها عدة اوجه منها :

على حركة التحويلات :  من المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة التعقيدات والتدقيق في المعاملات النقدية ، خاصة تلك التي تتم خارج القنوات التقليدية ، كما يمكن ان تؤدي الى تباطؤ مؤقت في عمليات التحويل بسبب الإجراءات الإدارية الجديدة .

على الواقع الاقتصادي والقطاع المصرفي : من المتوقع الا يتأثر القطاع المصرفي سلبا او ايجابا بهذا التعميم كون مشكلة القطاع المصرفي في مكان اخر ينبع من عدم الثقة في هذا القطاع، والذي لم تتم معالجة مشكلته لغاية اليوم كما لم يتم معالجة مشكلة المودعين والتي ما لم يتم معالجتها لا يمكن للقطاع المصرفي ان يتحسن في المدى القريب او حتى المتوسط .

قد يسهم هذا التعميم في تخفيض حجم الاقتصاد النقدي، ولكنه لن يؤدي الى الخروج من القائمة الرمادية لان الاسباب الاساسية للوصول الى القائمة الرمادية ليس اقتصاد الكاش بل عدم تطبيق المعايير الاساسية التي طلبتها مجموعة العمل المالي والتي لها علاقة بضعف بعض الأسس القانونية وعدم إقرار تعديلات القوانين الإصلاحية من قبل الحكومة ومجلس النواب ، وعدم إحراز أي تقدم من قبل القضاء والجهات الرسمية الأخرى في تنفيذ توصيات المجموعة ، وضرورة أن يتخذ القضاء اللبناني قرارات بمصادرة وملاحقة قضايا تتعلق بتبييض الأموال وتمويل الارهاب .

وفقًا لقانون النقد والتسليف ، فإن مصرف لبنان هو الجهة الرقابية العليا على المؤسسات المالية والمصرفية، مما يمنحه الصلاحية لإصدار مثل هذا التعميم، لكن قانون النقد والتسليف أوضح ولا سيما في مادته 70  بان مهمة المصرف العامة هي المحافظة على النقد لتأمين اساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم ، المحافظة على سلامة النقد اللبناني ، المحافظة على الاستقرار الاقتصادي ، والمحافظة على سلامة اوضاع النظام المصرفي.

كما اوجبت المادة 71  على تعاون المصرف المركزي مع الحكومة وتقديم  كل مشورة لها تتعلق بالسياسة المالية والاقتصادية، بغية تأمين الانسجام الاوفر بين مهمته واهداف الحكومة ، والمادة 72 نصت على انه للمصرف ان يقترح على الحكومة التدابير التي يرى ان من شأنها التأثير المفيد على ميزان المدفوعات وحركة الاسعار والمالية العامة وعلى النمو الاقتصادي بصورة عامة.

انطلاقا من نص هذه المواد فانه من الواضح انه على مصرف لبنان المكزي اطلاع الحكومة على الامور التي يعتبرها مضرة بالاقتصاد وبالنقد. ويؤمن علاقات الحكومة بالمؤسسات المالية الدولية كونها يمكن ان تؤثر على السياسة المالية للحكومة، كما يمكن ات تؤثر على الموازنة التي اقرها المجلس النيابي . 

ان ما طرحه التعميم الاساسي رقم 3 لناحية الحد الادنى للمبالغ المطلوب التحقق منها وجمع معلومات عن المحول والمحول اليه او حتى عن عمليات الصرافة ، وتوثيق هذه العمليات وتشفيرها وارسالها الى مصرف لبنان بشكل الكتروني وخلال يومي عمل هي اجراءات لم تطلبها اتفاقيات دولية ولا معاهدات ، كما لم تطلبه القوانين التي لها علاقة بمكافحة الارهاب وتبييض الاموال ، وسيكون لها انعكاسات كبيرة على الاقتصاد الوطني ككل، خاصة ان البنية التحتية غير مهيئة لتطبيق هذا التعميم، والقطاع المصرفي غير مهيأ للعب دوره الاساسي في تطبيق هذا التعميم ، وتفعيل هذا القطاع لا يحتاج الى تعاميم فقط بل يحتاج الى قوانين تضمن اعادة الودائع القديمة، كما تضمن عدم سرقة الودائع الجديدة، وهذا مستبعد في المدى القصير والمتوسط .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى