زياد الرحباني يرث طريق المطار من حافظ الأسد !

الحوارنيوز – صحافة
قررت الحكومة اللبنانية في جلستها الأخيرة استبدال إسم “جادة حافظ الأسد” التي تربط مدينة بيروت بمطار رفيق الحريري الدولي باسم “جادة زياد الرحباني” ،تحت شعار تكريم الفنان الراحل ،وإن كانت المبادرة تحمل طابعا سياسيا بعد زوال النظام السوري السابق.
الفكرة استوقفت صحيفة “الأخبار” اليوم فنشرت ثلاثة مقالات على هذا الصعيد نثبتها على النحو الآتي :
تحت عنوان “تكريم مسموم لزياد الرحباني” كتبت ندى أيوب تقول:

أن تتّخذ الحكومة اللبنانية قراراً بإزالة اسم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عن جادّة السفارة الكويتية قد يكون مفهوماً بعد التغيّرات التي شهدتها سوريا أخيراً.
أمّا أن تستبدل الحكومة اسم الأسد باسم الموسيقي الراحل زياد الرحباني فهو اقتناص فرصة المطالبة الشعبية بتكريم زياد، واستغلال وفاته سياسياً بما يخدم تحوّلات المرحلة. وهو ما حوّل قرار «التكريم» الكاذب إلى تشويه للذكرى، استكمالاً للاستعراض الذي بدأه رئيس الحكومة نواف سلام يوم دفن زياد، عندما وقف يلتقط الصور فوق تابوت الراحل.
تشكّلت حكومة سلام بداية شهر شباط الفائت، وكان نظام الأسد في سوريا قد سقط. على مرّ الأشهر الستة – وحتى من قبلها منذ انتخاب جوزيف عون رئيساً – كثرت المواقف والقرارات الدالّة على أنّ لبنان دخل مرحلةً جديدة تستدعي القطع مع كل المرحلة السابقة، بما يتماشى ومقتضيات التحوّلات السياسية الكبرى في لبنان والإقليم.
والقطع هذا يستدعي التخلّص من رموز المرحلة المُراد نفض اليد منها، وعلى رأس هؤلاء حافظ الأسد الذي رغب رئيسا الجمهورية والحكومة الراحلان الياس الهراوي ورفيق الحريري بتكريمه في التسعينيات، حين كانت السلطة السياسية برمّتها تنام في أحضان الأسد ونظامه، ما عدا قلّة قليلة لم تزحف نحو الشام آنذاك.
وكان لزياد الرحباني موقفه الواضح من رفض التبعية السياسية لسوريا وتحكّم الأسد في كل شاردة وواردة في الشؤون اللبنانية. ولأننا لسنا معنيين بالدفاع عن بقاء اسم حافظ الأسد بل نحن معنيون برفض استغلال زياد، فإن السؤال المُفترض أن تجيب حكومة سلام عنه: ما الذي منعها من اتّخاذ قرار إزالة اسم الأسد عن المسلّة المنصوبة في جادّة السفارة الكويتية في الأشهر الماضية، إن كانت فعلاً تريد ذلك؟
بـ«ضربة غبي» عربشت الحكومة على ظهر الرحباني لتصفية حساب مع آل الأسد
قبل أيام من انعقاد جلسة الحكومة أول من أمس، أطلق عادل جبر وأنطوان قسطنطين وإبراهيم شحرور، حملةً لإضافة اسم زياد الرحباني على اسم شارع الحمرا ليصبح «الحمرا – شارع زياد الرحباني».
تفاعل كثر مع المبادرة التي تأتي في سياقٍ طبيعي يربط بين زياد والحمرا، حيث عاش ومات، وحيث عمِلَ وكتب وألّف الموسيقى، وأحيا لياليها عزفاً وسهراً، وكتب فيها وعنها. وارتاد مقاهيها وحاناتها.
الحمرا التي انتمى إليها البعض حباً بزياد، وانطلاقاً من ارتباطه بها، والتي سكنت وجدانه وسكنها، من الطبيعي أن تحتضن اسمه وتخلّد ذكراه لتتخطّى الشوارع مجرّد كونها حجارةً وأرصفةً بل ذاكرة حيّة ومرايا لوجدان المدينة.
اقتنص سلام ووزراؤه الفرصة، وقرّروا تكريم زياد بإنزال اسمه مكان اسم حافظ الأسد في استغلال سافلٍ للمناسبة. فالحكومة تخيّلت أنها بيّضت صفحتها بعدما امتنعت عن إعلان الحداد الوطني إثر وفاة الراحل العظيم. وأرادت القول/ ها أنا أكرّمه. وبـ«ضربة غبي» عربشت على ظهر زياد الرحباني واستغلّته سياسياً لتصفية حسابٍ مع آل الأسد.
أخذت حكومة سلام في الاعتبار ما يعنيها، وما يفيدها، من دون احترام الرابط التاريخي والوجداني بين زياد والحمرا. وإن كان تغيير اسم الشارع الرئيسي للحمرا أمراً قابلاً للنقاش، لجهة عدم اختزال تاريخ الحمرا بزياد الرحباني، لكن ما لا يمكن القفز عنه هو ذكر الحمرا عند الحديث عن تخليد ذكرى زياد.
كان يمكن للحكومة – إن كانت صادقة – اختيار أي شارعٍ آخر في الحمرا مثل شارع المكحول الذي لم يفارقه، أو الشارع الذي كان يسكنه.
والخيارات عديدة إن توسّع البحث في شوارع الحمرا المُسمّاة بأسماء رجالات الانتداب، إلا إذا كان المسّ بالاستعمار الغربي يحتاج إلى جرأة لا يملكها سلام ووزراؤه، فكان المخرج الأدهى مسلّة السفارة الكويتية.
هذه الخطوة تفتح الباب على سؤال آخر، هل ستتعسّف الحكومة في المرحلة المقبلة، في تخطّي صلاحياتها والسطو على صلاحيات البلديات، على مستوى حقّها في تسمية الشوارع ضمن نطاقها الجغرافي، لمآرب سياسية؟
وتحت عنوان “على قاعدة «اللهمّ اضرب الظالم بالظالم» كتب عبد الغني طليس:

كان بحثُ جلسةِ الحكومة في القصر الجمهوري يدور حول تحديد جدول زمني طلبه مثلّث أميركا – إسرائيل – السعودية لـ«نَزْع» سلاح المقاومة.
وبعد جدل مرير، وربما خطير، قرّرت الحكومة «نَزع» اسم الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، عن جادة/ أوتوستراد المطار، وإلصاق اسم زياد الرحباني مكانه. «قال شو؟»، تكريماً لعطاءات زياد الفنية.
لا بدّ من أنها اخترقَتكم في الصميم قاعدة «العروبة الجديدة» التي تجمع مسلمين ومسيحيين في لبنان، وتقول: «اللهمّ اضرب الظالمين بالظالمين، وأَخْرِجْنا من بينهم سالمين»، فضربتم زياد الرحباني (الظالم عندكم بآرائه) بحافظ الأسد (الظالم عندكم عسكرياً وسياسياً)، معتقدين أنكم ستخرجون سالمين من فِعْلتِكُم المُشينة!
بعدين… لو سمّيتُم جادة حافظ الأسد، مثلاً، بِاسْم جادة الشحرورة صباح، فأكثر ما كان سيقال إنه قرار ملغوم وثأري لناحية الأسد، وطبيعي لناحية صباح. فصباح صورة عن لبنان والحياة الجميلة رغم بؤس واقعها، وصباح لا علاقة لها بالمرّة، لا بالأسد الأول ولا بالأسد الثاني، لا بالجميل ولا بالمحارَبة، والضجيج لن يتخذ بُعداً يوظّف في سياسة «الحضن العربي» المسيطرة على القرار الداخلي اللبناني، حتى في أسماء الشوارع. لكنّكم أصبحتُم مكشوفين، وعبارة عن آذان تُنَفِّذ ما تؤمرون به، وعميان تحتاجون إلى يد تأخذكم وتأتي بكم… وكلّه بوعد المساعدة المادية التي لن تأتي، وإذا أتت فليس قبل أن يُمسَح بلبنان الأرض! سجّلوها عندكم!
زياد الرحباني يستحقّ أن يُسمّى جيلان لبنانيان باسمه، انطلاقاً من تأثير هذا الرجل على لغة أكثر الشباب منذ السبعينيات إلى اليوم.
غير أن هذا شيء، وقرار الحكومة الفاشل شيء آخَر، باعتباره قراراً لم ينتبه إلى مضمون علاقة بيت الرحباني الفنية الشخصية العالية بحافظ أو ببشار الأسد، ولا بالمكانة غير المسبوقة التي للعائلة الرحبانية في سوريا كلّها، شعب سوريا، قبل تغيُّر الواقع هناك رأساً على عقِب، وعَقِباً على رأس!
فمَن لم يعرف أيّ نوع من العاطفة والصداقة الشخصية التي كانت بين الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، والأخَوين عاصي ومنصور الرحباني وفيروز، والعائلة ككل، معذور في أن يخلط السياسة والحقد على عَمَاهما، وأن يرقص حتى الشماتة، في تجديدٍ لعادةِ نبش القبور، وقد استُحضِرَت بعد ألف سنة، لتغدو موضة.
الجاهل معذور حقاً بإصداره قرارَ تسمية جادة حافظ الأسد/ أوتوستراد المطار، باسم جادة زياد الرحباني، وبإيجاد مناسبة لدى الآخرين لقَدْح الأسد وذَمّه.
غير أن أغرب الغرائب هو «تناولُ» الأسد من كتّاب كانت مرجعية زعمائهم السياسية لسنوات طوال، في دمشق الأسد الأول والثاني، ويمكن القول إن دمشق صنعتهم، و«شَقْشَلَت» بهم زمناً، مع الإشارة المُلزِمة إلى أن إطلاق اسم حافظ الأسد على جادة مطار رفيق الحريري، كان أصلاً أكبر عملية تزلّف وتملّق ورشوة ضخمة للأسد، يوم كانت الرّشى تتطاير في البلد.
والبحث في ذلك يكشف زمن الخاضعين طوعاً من «اللبنانيين» غير المعروف لهم رأس من كعب. ما لَنا وللأسماء، فهي واضحة، ولم ألجأ إلى هذه الملاحظة العارية إلّا للتذكير الذي قيل إنه ينفع «المؤمنين».
حافظ الأسد صعلوك! حافظ الأسد بطَل! حافظ الأسد باني سوريا الحديثة! حافظ الأسد هادم سوريا على رؤوس أهلها!… دعوا كل ذلك واعلموا ماذا فعل حافظ وبشار الأسد مع الأخوين عاصي ومنصور، ومع فيروز، وزياد ابن العاصي والفيروز.
كان حضور الأخوين وفيروز في معرض دمشق الدولي من أواخر الستينيات حتى… البارحة، أساسياً، بأوامر مباشرة وصريحة من حافظ وبشار الأسد.
وفي المعرض أنشدَت فيروز، على مدى ثلاثة عقود، أجمل الروائع الشعرية والموسيقية والغنائية عن دمشق والشام، من دون أن تُضَمَّن أي أغنية إشارةٌ إلى اسم الأسد، لا تصريحاً ولا تلميحاً على العادة الرحبانية المعروفة بالغناء للبلاد العربية لا للحكام ولا للأشخاص.
«الحضن العربي» الوحيد للرحباني وفيروز كان سوريا، وقتَ كانت «الأحضان» الأخرى، ما معها خبر! وأكرّر برعاية رئاسية من الأسدين.
ثانياً: عام 1972 أُصيب عاصي الرحباني بانفجار صعب جداً في الدماغ، ولم تكن ماديات عاصي ومنصور وفيروز مرتاحة كما ينبغي لمواجهة معضلة صحية كهذه، فضلاً عن غياب الدولة اللبنانية بالكامل عن هذا الحَدَث العنيف، فأرسل حافظ الأسد كبير ضباطه في القصر الجمهوري إلى بيروت (للتذكير: عام 1972) وسلّم منصور وفيروز مبلغ 75 ألف ليرة لبنانية لإجراء الجراحات اللازمة لعاصي، وإكمال العلاج في الخارج إذا استدعى الأمر. وعملاً بالمبادلة الأخلاقية، قدّم الرحباني وفيروز رَيع سنة 1973 / بعد حرب تشرين، في معرض دمشق، إلى عائلات الشهداء والجرحى السوريين في تلك الحرب.
واستمرّت العلاقة الرحبانية – الأسدية في أوجها، لم تتلوّث لا بالسياسة ولا بالمصلحة، بل اتسمَت بالمَونة، تحديداً في بعض المراجعات التي كانت العائلة الرحبانية «تتدخّل» فيها لإطلاق محتجزين مظلومين عند السوريين، بعد دخولهم لبنان.
ومن هذه الحالات التدخّل لـ«تحرير» زياد الرحباني من مضايقات إبان المرحلة الأولى من وجود «قوات الردع» في لبنان، وكان برنامجه في «إذاعة لبنان» شاهداً على موقفه المُناهض لدخول السوريين، والدخول السوري يومها (لتذكير «المؤمنين» الذي تكاثروا اليوم!) تمّ تحت شعار «حماية المسيحيين»، بطلب من «الجبهة اللبنانية»، فتعرّضت أحزاب «الحركة الوطنية» وأشخاصها، ومنهم زياد الإذاعي، حينذاك، للضغط أو السجون.
وبقي معرض دمشق الدولي منبراً رحبانياً بامتياز، وآخر الأعمال كان إعادة عرض غنائية «صحّ النوم»، قبل سنوات قليلة.
ولم يؤثّر موقف زياد «الرافض» أو «الراضي» سياسياً، على العلاقة بين الأخوين وفيروز من جهة، ونظام حافظ الأسد، أو بشّار من جهة ثانية، ذلك بأن تلك العلاقة المتينة كانت مفصولة عن كل ما هو غير فني.
حتى جاءت الثورة السورية ضدّ بشار الأسد والتي كان لزياد رأي «آخَر» في دوافعها وحيثياتها ومآلاتها، ودافع عن وجهة نظَره علناً، كعادته، لا بدعم الديكتاتورية كما يُروّج عنه، بل بالحفاظ على وحدة سوريا ضد الخراب الذي كان واضحاً أنه آتٍ. قلتُ لن أغرق في السياسة، فهي في لبنان وحْل ونفايات ممزوجة بطائفية تشبه «العنقاء» الخرفانة الولّادة من الرماد!
نَزْعُ اسم حافظ الأسد (واليوم النّزع ماشي، مش هيك؟) عن جادة أوتوستراد المطار، ومحاولة تركيب اسم زياد الرحباني مكانه، يضربان كل الماضي الفني والشخصي المتلألئ الذي جمع بين العائلة الرحبانية، ونظامَيْ حافظ وبشار الأسد، وكذلك يضربان المواقف السورية من الفنانين اللبنانيين الكُثر الآخَرين (على رأسهم وديع الصافي)، بالإضافة إلى الفنانين السوريين الذين وقف حافظ وبشار الأسد إلى جانبهم، في أواخر أيامهم، مع تكرار غياب الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها عن الفنون اللبنانية وأهلها!
الآن قامت الدولة اللبنانية من غيبوبتها (إلى غبائها؟) فاختارت اسم حافظ الأسد، بالذات، من بين كل أسماء الشوارع والأوتوسترادات اللقيطة في البلد، لتنزَعه وتثبّت مكانه اسم زياد الرحباني… مع كل ما سبق ذكره من التعاون الكريم الحكيم بين العائلة الرحبانية وحافظ وبشار الأسد، ورغماً عن كل الروائع الفنية والحفلات المذهلة التي كانت للعائلة في دمشق، وأثمرَت شِعراً وموسيقى وحباً لا يوصف!
الرؤية إلى هذا الأمر الوجداني والإنساني لا تتمّ من خلال خُرم الإبرة السياسي الضيق والمحتقن، بل من خلال تاريخ شخصي وعملي مُشرّف.
صحيح أن السياسة، خصوصاً اللبنانية، معدومة من الأخلاق والعِرفان، لكنها تصبح في لحظات الانتهازية المكشوفة أقرب إلى دكان نخاسة جاحظ العينين، كالعاهرات!
شوارع كثيرة في لبنان… ما شاء الله، وبعضها حضَن زياد الرحباني حيّاً ونَشِطاً ومُعافًى ومريضاً وفقيراً وميتاً. فهل ضاقت «الدنيا» اللبنانية («حديقة حيوانات مباحة برّاً وبحراً وجوّاً» على قَولة الشاعر أنسي الحاج ذات يوم كان فيه إذلال إسرائيلي للبنان) على زياد حتى حُشِر بديلاً في جادّة لاسم «صاحبها» فضل عميم على عائلته وعليه؟ وهل يقبل زياد هذه الرعونة، لو سُئل؟ وهل سُئل الورَثة؟
يقال: «ما دخلت السياسة شيئاً إلّا أفسدَته». وقراركم «البريء» هذا «مدروس» سياسياً بفظاظة، ورائحة طلَب رضى البعيد والقريب تفوح منه. فلا الذي رحّب به (القرار) التفت إلى «ما وراءه» إنسانياً، ولا الذي اعترض عليه التفت إلى ما هو أبعد من السياسة!
لسنا مضطرّين إلى استخدام الكلمة ذاتها التي استخدمها زياد حين سُئل عن …هذه «الجمهورية»!
إن أول ما ينبغي أن «تنزعَه» دولتنا العَلِيّة من مواقفها وتصرفاتها، وخلفياتها الفكرية إذا وُجِدَت، هو اعتماد السياسات الصبيانية في قضايا مصيرية، أو ذات بُعد ثقافي. العب في الحقل «السياسي» كيفما تريد، فالسياسة حمّالةُ أوجه، لا ضمير فيها ولا وجدان. أما الثقافة فلها اعتبارات أُخرى يتعيّن تقديرها.
ومن حقّنا سؤال وزير الثقافة غسان سلامة، المنتمي بخلفيته إلى الثقافة و«فنونها» الإبداعية، كما نعلم، ما هو رأيه في ما جرى؟ وهل طُلِب رأيه أم لا؟ وبماذا أجاب عن الفكرة المُفترَض أنه مُلِمّ بتفاصيل المَعنيّين بها؟
وتحت عنوان “جادّة تشبه مسرحيات زياد” كتب نزار نمر”

من المفترض أنّ كلّ اللبنانيّين سمعوا بقرار السلطة تغيير اسم «جادّة حافظ الأسد» إلى «جادّة زياد الرحباني»، مع ما رافقها من حفلة آراء وآراء مضادّة وأخرى هجينة، كلّها أرادت وضع كرزتها الخاصّة على قالب الحلوى.
ولكن لنأخذ خطوة إلى الوراء، ونحاول تخيّل ماذا كان سيكون عليه موقف الراحل. ولئن بات الكلام بلسانه، خصوصاً بعد رحيله، ممجوجاً، إلّا أنّنا نحن الذين شكّل زياد وعينا وكأنّنا تلاميذه، يمكننا على الأقلّ عصر أفكارنا للوصول إلى أقرب فرضية. وإن لم تكن الفرضية صائبة فهذا على الأقلّ موقفنا.
أوّلاً، قد يرى الراحل كلّ فكرة تسمية الشوارع والجادات نسبةً لأشخاص، أيًّا كانوا، مثيرةً للسخرية من أساسها، ولا تعدو كونها تكحيلاً لمسائل أكثر أهمّية، لا تبدأ من حال هذه الشوارع ولا تنتهي بأحوال سكّانها. كما أنّ تواضعه كان سيجعل الفكرة تزعجه في صميمه.
ثانياً، قد يسخر من متاهة الصلاحيّات في بيروقراطية الموز، بحيث تكون الصلاحيّات والامتيازات دائماً نضال أركان السلطة الذي لا يعلو عليه شاغل للبال، ولو على حساب مناصريهم وسائر المجتمع.
فلنضع جانباً هذه المتاهة؛ في ظلّ الإصرار على إطلاق التسمية، لماذا لم تحصل في شارع الحمرا، في المكان الذي عاش وأحبّ، وهو ما طالبت به حملة أطلقها بعض محبّيه؟ وإن لم يكن الشارع بنفسه، لمَ ليس أحد متفرّعاته أو الشوارع الأخرى في منطقة الحمرا أو أيّ مكان غير الجادة البعيدة التي نالها، فيكون على الأقلّ ضمن بيروت الإدارية؟
ثالثاً، أشعلت التسمية جدالاً يشبه مسرحيّات زياد. فهذا يحتفل ليس لأنّه يحبّ زياداً، بل لأنّه يكره حافظ الأسد. وذاك ينتقد لا لأنّه يكره زياداً، بل لأنّه يعتبر الأسد من شهداء المقاومة، وكأنّ زياداً لم يكن مقاوماً. واحدة فرحة لأنّها تحبّ زياداً. وأخرى تنتحب لأنّها تتوق إلى «سوريا الأسد».
وهناك الأخير الذي لا يمانع، لكن يشير إلى أولوية السلطة «قبع» اسم حافظ الأسد قبل كلّ ما هنالك من أسماء مستعمِرين غربيّين غرباء تجتاح شوارع بيروت منذ عقود.
الراحل ميّز بين التدخّل السوري في الشؤون اللبنانية ودعم سوريا للمقاومة في وقت كان مَن يدّعون اليوم معارضة نظام الأسد يداً بيد مع هذا النظام، بل كانوا يداً برقبة. لذا، قد لا يحبّذ استغلال اسمه في البازار السياسي، ولا لصقه بهذا أو بذاك.
رابعاً، تستغلّ السلطة اسم زياد الرحباني لاستثماره شعبيّاً، ليس لتغطية فشلها وأدائها المثير للاشمئزاز فحسب، بل كذلك بعد تقصيرها في تكريم الراحل، رغم بعض الشكليّات التي لا بدّ منها، ولولا ذلك لما قدّمتها. والخلاصة أنّها «بدل ما تكحّلها، عميتها».
لكنّ الراحل قد لا يأبه لكلّ ما تفعله هذه السلطة من الأساس، هي التي ظلمته طوال حياته كما ظلمت «الشعب العنيد».
هي حفلة «أشياء فاشلة»، خشبتها بيروت الكبرى، التي تمنّى الرحباني في برنامجه «العقل زينة» لو أنّها «بتستحي ع كُبرا». ربّما لا حاجة لنا لتخيّل ردّة فعله المفترضة. ربّما كان سيكتفي بالصمت بعدما سبق وأفرغ كلّ ما في جعبته، وما علينا سوى «البحبشة» بالأرشيف.
سنختار للمناسبة كلمات أغنية «بهنّيك»، موجّهة إلى الجميع في هذه الحالة: «أنا والله فكري هنّيك، يعني وهنّي أهلك فيك، ع النظافة بالمواقف، ع المواقف بالسياسة، وعلى كلّ شي اسمه تكتيك».



