رأي

تريّثُ إيران بالرّدْ رغبة ب”عدم التصعيد “.. أم لحسابات أُخرى ؟ (جواد الهنداوي)

 

بقلم السفير الدكتور جواد الهنداوي – الحوار نيوز – بروكسل

 

  ” عدم التصعيد ” حُجّة تبنتّها امريكا ، ومعها الغرب ، ومنذ بدء حرب الإبادة ،التي شنّتها اسرائيل ضّدَ الشعب الفلسطيني في غزّة .

اسرائيل تقتل مدنيين في غزّة وفي الضفة ،و تغتال قياديين سياسين وعسكريين في كل مكان ،وتعتدي على دول وتنتهك القوانين و المواثيق الدولية ، وبدعم وحماية أمريكية ، و على العالم ان يسعى ويضغط على ايران وعلى حزب الله في لبنان او يترجّاهما ” بخفض التصعيد ” !

أمرٌ ،بكل تأكيد ،غريب ،ويخلو من المنطق !  

و مَنْ ذا الذي يعلمني بأمرٍ قامت به امريكا تجاه فلسطين و تجاه أمن المنطقة وفيه منطق وعدالة ومسعى للحق ؟

كلما تطورّت امريكا تقنياً ومادياً كلما ابتعدت عن مسارات الحق والعدالة والانسانية والقيم ،لانها رهينة الصهيونية العالمية .

امريكا ودول الغرب تطالب وترجو عدم التصعيد ،وهم لم يمتلكوا الجرأة في إدانة ارتكاب اسرائيل لجريمة اغتيال الشهيد اسماعيل هنيّة ،والذي كان يفاوض ،من اجل صفقة سلام !

يطالبون بعدم التصعيد ،واسرائيل مستمرة في ممارسة الاغتيالات والاعتداءات والغدر !

وفقاً لما يُتداول في الإعلام العربي والدولي ،وتتناقله وسائل التواصل الاجتماعي ، من اخبار مفادها ان امريكا ارسلت رسائل ووسطاء عمانيين وغيرهم بهدف الطلب إلى ايران عدم الرّدْ، وانهم ومع الوسطاء المصريين والقطرين بصدد اتمام صفقة لوقف حرب الابادة في غزّة ، وتحرير للاسرى ،وان اي رد من ايران في الوقت الحاضر سيفوّت فرصة اتمام الصفقة .

وتتناقل بعض وسائل الإعلام بأنَّ امريكا أفصحت لايران تذمرها وشكواها من نتنياهو ،الذي يريد الحرب ، واعربت في رسالتها إلى طهران او من خلال الوسطاء عن أملها بألا تذهب ايران في الاتجاه الذي يريده نتنياهو !

بغض النظر عن مدى صحة و دقة ما يتداول ، ولنحتكم إلى ماهو مؤكد رسمياً من امريكا و من غير امريكا ،ألا وهو جهود امريكا ومطالبتها لايران بعدم التصعيد !

ماذا يعني ان تطالب امريكا خصمها او عدوها بعدم التصعيد ولم تطلب ذلك من حليفها اسرائيل ؟

للأمر دلالات و معانٍ :

يعني اولاً أن امريكا لا تثق بنتنياهو ،ولا تثق بحكومته ، فلجأت إلى خصمها او عدوها لمطالبته بعدم التصعيد ،وتفويت فرصة الحرب التي يبحث عنها نتنياهو ! وهذا الاستنتاج يُثرينا بقاعدة مفيدة في العمل السياسي او الدبلوماسي ،وهي ” التعامل مع عدو ذكي افضل بكثير من التعامل مع صديق او حليف غبي ،وللغباء صور واشكال عديدة ” .

 وقد يعني  ثانياً ان امريكا غير قادرة على لجم نتنياهو ومنعه من حماقة واستهتار سلوكه وتصرفاته ، لارتهان الارادة الأمريكية لحسابات الصهيونية ولوبياتها . ووفقاً لهذا الافتراض ،يشهدُ العالم اذاً حالة تمرّد وانفلات خطيرة لكيان محتل ، تجعل العالم بأسره على حافة حرب واسعة وشاملة ،خارجه عن محيطها الجغرافي .

ربما ،ثالثاً، قد يكون توافق اسرائيلي أمريكي على تبني هذا السيناريو ولعب هذه الأدوار ،حيث إسرائيل تقتل وتدمر وتغتال ،و على امريكا القيام بتهدئة الاجواء و تقديم الجزرة واعطاء الوعود الخ … أمرٌ غير مستبعد وشواهد تدّلُ على صحة افتراضه ،منها تكراره، واستماتة امريكا بالدفاع والحماية عن الكيان في حالة الرد، حيث تسارع امريكا ،كما نشهده اليوم ، إلى ارسال البارجات والطائرات والقبب الحديدية هنا وهناك ، وتسارع بالاتصال بالأصدقاء والحلفاء في المنطقه لمنع استهداف اسرائيل .

أعودُ الآن للإجابة على السؤال ،عنوان المقال .

رسمياً تتعامل إيران مع المشهد بموقف ثابت ومعلن ،ألا وهو الرّدْ ،وتنفيذا لما وعد به السيد الخامئني ، وهي ( واقصد ايران ) تقابل ،في ذلك ،الموقف الرسمي الأمريكي ،ألا وهو ” سندعم إسرائيل في حال تعرضها إلى هجوم ” ، ومثلما تسارع امريكا بوساطات و دعوات لايران بعدم التصعيد ، وفي ذات الوقت ،تؤكد امريكا رسمياً التزامها بإبرام صفقة انهاء الحرب وتحرير الاسرى ، وتقدّم هذه الصفقة عبر وسطاء ( مصر وقطر ) لهما تواصلهما مع ايران ، توظّف ايران ” لعبة او فن التريث ” ، وتجعل إسرائيل والجميع يعيش حالة الترقّب و الشك ما بين رد إيراني مرتقب او صفقة لانهاء الحرب في غزّة !

و المقارنة  بين الرّدْ المرتقب وثمن التنازل عن الرّدْ ،وهو انهاء الحرب في غزّة ،فلا شك فيه بأنَّ في انهاء الحرب وبالشروط التي ترضى بها حماس نصراً كبيراً لحماس وللمقاومة ولايران ايضاً ، وخسارة كبيرة لنتنياهو واسرائيل ، خسارة ليست فقط سياسية ، وانما استراتيجية .

وينبغي ألا يغيب عن البال بأنَّ الحرب وسيلة وليست غاية ،وسيلة لاهداف سياسية ، ولطالما سعى نتنياهو  ،وبفشل ذريع ، في الاستمرار في القتل والغدر والاغتيالات ،من اجل تحرير أسراه واستسلام حماس والسيطرة على قطاع غزّة . وقف الحرب يعني استسلام اسرائيل لقدرها .

تدخلُ في تقدير الرّدْ الإيراني اعتبارات عدّه منها ،القدرات النووية الإيرانية ،الموقف الروسي ،موقف حماس والمقاومة في غزّة ،والذي يميل إلى صفقة تنهي حرب الابادة على تنفيذ الرّدْ ،بالاضافة إلى مواقف الدول العربية ،وخاصة الخليجية التي ترى في الحرب تدميرا كاملا للمنطقة وتغييرا سياسيا وجغرافيا كبيرا .

تقديري أن إيران تميل إلى تفضيل صفقة وقف الحرب ،ولكن بحذر شديد وبشروط وبسقف زمني محدود ،قد لا يتجاوز مدته منتصف الشهر الجاري ، وهذا ما يفسّر استعجال الوساطات والاتصالات وطرح الضمانات من اجل الوصول إلى ابرام صفقة سلام او وقف الحرب .

كل العالم بدوله وشعوبه ومنظماته يدرك أنَّ الحل لإيقاف حرب الابادة ، هو في متناول اليد،ولكن المشكلة امام هذا الحل هو نتنياهو وحكومته العنصرية المتطرفة ، وليس حماس او المقاومة الفلسطينية او ايران .

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى