كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
خذلت تركيا رجب طيب أردوغان الزعيم الذي تربع على عرشها طوال عشرين عاما ،رئيسا للوزراء ثم رئيسا للجمهورية،لكنها لم تطلق رصاصة على رأسه ،بل على قدميه،فتركته بين الحياة والموت السياسي ليواجه خصمه اللدود كمال كليجدار أوغلو في الثامن والعشرين من أيار الجاري في معركة حاسمة على رئاسة الجمهورية.
وضعت تركيا زعيمها الأبرز خلال العقدين الماضيين،أمام واقع سوف يدفعه خلال الأيام المقبلة إلى مسايرة ومهادنة ومفاوضة وتقديم التنازلات لشخصية قومية متطرفة فرضت نفسها “بيضة القبان” على الدورة الثانية للمعركة الرئاسية، بفعل النتائج التي خلصت إليها الانتخابات التي جرت أمس الأحد.هذه الشخصية هي سنان أوغان القومي المتشدد والأكاديمي ذو الأصول الأذربيجانية وزعيم حزب الحركة القومية، والذي حظي بنسبة 5.2 بالمائة من مجمل الأصوات التركية، وهو (أي اردوغان) الذي تربع على عرش لم يجبره على المسايرة والمهادنة والتفاوض والتنازل مع خصومه الأتراك.صحيح أن أردوغان لعب على كل الحبال الإقليمية والدولية ،لكنه كان حازما مع أبناء جلدته السياسيين .
كثيرة هي الأسباب التي عكست هذه النتيجة للزعيم التركي الذي شغل موقعا بارزا خلال العقدين الماضيين ،ليس في الجمهورية التركية فقط ،وإنما في المنطقة والعالم .لكن السبب الرئيسي الذي هوى بأردوغان إلى هذا المنحدر ،كان الوضع الاقتصادي الذي عاشته تركيا خلال السنوات الماضية ،وكان إنهيار العملة التركية أبرز مظاهره.
كان أردوغان يحلم بامبراطورية تركية تعيد مجد السلطنة العثمانية ،لكنه غاب عن باله أن عصر الإمبراطوريات الكبرى في ظل الواقع الدولي قد انتهى ،وأن الدولار هو الإمبراطور الأقوى الذي يسقط كل العملات الأخرى ويطيح بدولها وحكامها، ويحيلها قاعا صفصفا.
لا ينكر أحد على أردوغان حنكته السياسية والخبرة التي اكتسبها خلال مسيرته السياسية ،لكن المعارك التي فتحها في كل الاتجاهات ،أثقلت كاهل تركيا ،خاصة مع جيرانه العرب الذين ظل يرى فيهم مقاطعات للسلطنة العثمانية،من سوريا إلى العراق ومصر،فضلا عن مشكلته الدائمة مع الأكراد ،والتي لم يستطع إيجاد حل لها، على الرغم من حضورهم القوي في تركيا والذي يناهز العشرين مليونا.والواضح أن أكراد تركيا كان لهم هذه المرة صوتهم المدوّي حيث منحوا خصمه الرئيسي غالبية أصواتهم.
ظل مساعدو أردوغان يتحدثون طويلا عن سياسة تركيا الرامية إلى “تصفير المشاكل” مع الجيران ،لكن لم يثبت أن هذه السياسة كانت واقعا حقيقيا،ولعل أكبر نموذج على ذلك تعاطي أردوغان مع سوريا التي بذل الغالي والنفيس من أجل تدميرها وإسقاط نظامها ،وما تزال قواته تحمي المتمردين عليها ،مستفزا طائفتها العلوية التي تحتضن تركيا نحو عشرة ملايين منها.وكان من الطبيعي أن يمنح هؤلاء معظم أصواتهم، أو بعضها، لخصمه العلوي النشأة كمال كليتشدار أوغلو.
عاند أردوغان الغرب الأوروبي والأميركي،وغالب طويلا لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ،لكن الأوروبيين ناهضوا محاولاته على الرغم من وجود تركيا في حلف الناتو على مرمى حجر من روسيا.ومن يرصد الصحف الأوروبية خلال الأسابيع الماضية يكتشف نظرة الأوروبيين المعادية لأردوغان وأفكاره الإسلامية،وهو ما أسهم نوعا ما في تقلص شعبيته.
أسبوعان حاسمان أمام الرئيس أردوغان قبل الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في 28 الجاري في مواجهة زعيم المعارضة كليجدار أوغلو.وإذا ما نجح في العبور إلى ولايته الرئاسية الثالثة ،فإن نهجه السياسي يفترض أن يتبدل ،لعل الدرس الذي جاءت به الانتخابات يسهم في دفعه إلى مزيد من التواضع والحسم والانفتاح الحقيقي على الجيران المشرقيين .صحيح أن جغرافية تركيا موزعة بين أوروبا وآسيا،بين غرب وشرق، ،ولكن يبدو أن الواقع الدولي الراهن لا يحتمل أن تكون سياستها موزعة ،رجل في الغرب وأخرى في الشرق.فالشرق شرق والغرب غرب،وعلى أردوغان أن يختار..