تربية وتعليممنوعات

تربية الأطفال بين الحداثة والكلاسيكية: صراع أم تكامل ؟ (زينب عوالي)

المربية نبيلة هاشم : نصائح وأخطاء شائعة في التربية

 

كتبت زينب عوالي – الحوارنيوز- خاص

تشكل التربية عاملاً أساسياً في تنشئة طفلٍ متوازن وناضج في المستقبل. وهي عملية تنمية الفرد جسديًا وعقليًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، بهدف إعداده ليكون عضوًا فعّالًا في مجتمعه. وتشمل التعليم، وغرس القيم، وتنمية المهارات، وضبط السلوك.

وفي دراسات متعددة تبين أن النهج الأتوريتي (السلطوي)، الذي يجمع بين الدفء والحزم المنطقي، يؤدي إلى تنمية نفسية أفضل وتعزيز المهارات الأكاديمية والعلاقات الاجتماعية الصحية لدى الأطفال والمراهقين. وفي دراسة في الصين، تبين أن الأبوة الأتوريتية ارتبطت بتفوق معرفي وتعليمي أكبر مقارنة بأنماط أكثر تساهلًا أو سلطويًا .

وتوضيحاً ل معنى “الأتوريتي” هو نمط تربوي يجمع بين الصرامة المنضبطة والدفء العاطفي، أي أن الوالدين يضعان قواعد واضحة، لكنهما في الوقت نفسه يُظهران محبة واستجابة لمشاعر وحاجات الطفل.

إضافةً الى ذلك، فان أبحاث جامعة نوتردام تشير إلى أن الرعاية الأسرية المكثّفة (لمس، رفع الأصوات، استجابة للبكاء) تدعم التطور العاطفي والدماغي مقارنة بالممارسات الحديثة التي تُقلّل اللمس أو تؤخّر الاستجابة .

وأظهرت التربية زائد الحماية  في البرازيل والمملكة المتحدة، أنها قد تقلّل من متوسط العمر المتوقع، بينما الدعم الأمومي ارتبط بتقليل الخطر المبكر للوفاة .

تفسّر الأجيال القديمة مفهوم التربية بالتزام الأبناء بالادب والاحترام، الانضباط، السمعة العائلية، والالتزام الديني والاخلاقي. لكن غالباً ما كان يتعامل الوالدان بصرامة شديدة مع الابناء وفرض رأيهم على الطفل دون الاستماع الى رغبات أو مطالب الطفل. على سبيل المثال كان يعاني الولد في اختيار مجال الدراسة في المرحلة الجامعية نظراً لرغبة الوالدين بدخول ابنهم، إما مهنة الطب أو الهندسة من دون الالتفات الى ما رغب ولدهم في دراسته أو الى ميوله الفكري.

ومع ظهور اسلوب التربية الحديث في العصر الحالي انتشر صراع بين التربية الكلاسيكية والتربية الحديثة التي تربط التربية بتشجيع التفكير النقدي، وتنمية المهارات، واحترام شخصية الطفل، أكثر من مجرد الطاعة أو الالتزام بالشكل الخارجي.

في هذا الإطار، وفي لقاء مع المربية والكاتبة نبيلة هاشم عواضة، طُرِحت تساؤلات جوهرية حول أساليب تربية الأبناء؛ فهل ما زالت طرائق الماضي قادرة على مواكبة متطلبات الحاضر؟ وهل تمنح التربية الحديثة الطفل ما افتقده في زمن الانضباط الصارم؟ أم أنّ كلاً منهما يحمل في طيّاته عناصر قوّة ونقاط ضعف تستوجب فهماً عميقاً وإدراكاً متوازناً؟

المربية نبيلة هاشم عواضة

في شرحها للفارق بين التربية الحديثة والتربية التقليدية، شددت هاشم على أهمية أن يعرف كل من الأهل والأبناء حقوقهم وواجباتهم، مؤكدة أن أفضل أسلوب للتنشئة هو الدمج بين الطريقتين، بحيث يتم التأقلم مع التطورات الحديثة دون المساس بالقيم الاجتماعية والدينية الراسخة.

كما قارنت بين المجتمع القروي والمجتمع المدني، مشيرةً إلى أن الطفل في البيئة القروية يمتلك مجالاً أوسع للتفكير، بينما تأثر أطفال المدن كثيراً بعصر التكنولوجيا، ما جعل من الضروري أن يوازن الأهل بين منح الحرية للطفل وبين مراقبة انغماسه في العالم الافتراضي، مع الاطلاع الدائم على المحتوى الذي يتعرض له وإفساح المجال أمامه للجوء إليهم في التحقق من المعلومات أو مناقشة أموره الخاصة.

وانتقدت هاشم الدلال الزائد الذي يمنحه بعض الأهل للطفل مع تقليل سلطتهم التربوية، إما بدافع راحة البال أو بسبب ضعف الوعي، وهو ما يؤدي مع مرور الوقت إلى فساد الطفل والمجتمع. كما أشارت إلى أن الطفل اليوم أصبح أكثر تطلباً تحت تأثير المحيط، على عكس أطفال الماضي الذين عززت بيئتهم قيمة الرضا والاكتفاء.

ورأت أن التكنولوجيا قتلت الإبداع لدى الكثير من الأطفال بسبب اعتمادهم المفرط على الإنترنت، وفقدانهم الحافز للتفكير العميق، في حين استفاد بعضهم من التطور الرقمي بفضل وعي الأهل وقدرتهم على تحقيق التوازن بين الإيجابيات والسلبيات.

  تطرقت هاشم إلى معاناة القطاع التربوي نتيجة إلقاء بعض الأهل كامل عبء التربية على المدرسة، وعددت أبرز الأخطاء الشائعة في التربية، ومنها:

  • الإهمال وضعف وعي الأهل.
  • إعطاء الأوامر بدل استخدام صيغة الطلب.
  • العنف اللفظي مثل الصراخ، الذي يولّد ردود فعل عنيفة عند الطفل.
  • الإفراط في اللطف أو في التعنيف، دون إيجاد التوازن بين الشدة واللين.

وردّاً على سؤال حول كيفية مواجهة الأهل لكل هذه التحديات الاجتماعية والاقتصادية وبناء طفل متوازن وناضج، شددت هاشم على ضرورة تعزيز التواصل بين المدرسة والأهل، بما يسهم في رفع الوعي وتقريب الطفل من التعليم الأكاديمي والتربوي. كما أكدت أن ثقافة الأهل واطلاعهم عنصر أساسي في التربية، إذ أن الأسر التي تعزز التواصل بين أفرادها تحقق انسجاماً أكبر مقارنة بالأسر التي تهمل أبناءها وتنغمس في وسائل التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى تفكك الروابط العائلية.

وحذّرت من اعتماد بعض الأهل على المعلمة الخاصة أو المدرسة فقط لمتابعة دروس الطفل، من دون رقابة أو مراجعة لاحقة، ما قد يجعلهم غير مدركين لمستواه الأكاديمي الفعلي.

كما أعادت التأكيد على أن الدمج بين التربية الحديثة والتقليدية هو الأسلوب الأمثل، بحيث يستقطب الأهل أبناءهم عاطفياً بأسلوب التربية القديمة، مع مواكبة الجانب التكنولوجي.

غير أن الاستاذة نبيلة هاشم سلّطت الضوء على تغير طبيعة اللعب عند الأطفال، إذ أصبح الكثير منهم يتواصلون مع أصدقاء افتراضيين عبر الهواتف، بينما كانت ألعاب الماضي تحفز التواصل المباشر، وتخلق صداقات واقعية، وتبعد الطفل عن الوحدة.

واختتمت هاشم بمجموعة من الإرشادات للأهل، أهمها:

  • دمج أسلوبي التربية الحديثة والتقليدية.
  • المشاركة في الأعمال مع الطفل، والحوار المستمر معه.
  • إبعاده عن المؤثرات الخارجية المسببة للقلق.
  • منحه الحنان والأمان الكافيين.
  • تعزيز التواصل معه أثناء أداء الواجبات المدرسية.
  • تنظيم أنشطة جسدية مثل الرياضة في المنزل.
  • عدم عزل عالم الأطفال عن عالم الكبار.
  • زيادة وعي الأهل في التواصل مع أبنائهم.
  • منع الصراخ والمقارنات.
  • تعليم الطفل مبدأ الاكتفاء، خاصة في ظل الظروف المادية الصعبة.

وفي ضوء ما تقدّم، يتّضح أنّ التربية ليست مجرّد اختيار بين الماضي والحاضر، بل هي عملية متكاملة تتطلّب وعياً عميقاً بخصوصية كل مرحلة عمرية، واستيعاباً لمزايا وعيوب كل منهج تربوي. فالتقليدية تمنح الطفل العودة إلى الجذور والقيم الراسخة، فيما تفتح الحداثة أمامه آفاق الإبداع والانفتاح. غير أنّ النجاح يكمن في القدرة على المزاوجة بينهما بذكاء، بما يلبّي حاجات الطفل النفسية والعقلية والاجتماعية، ويحميه من الانجراف وراء المغريات أو الانعزال عن واقعه. وعليه، فإنّ مسؤولية الأهل والمدرسة معاً هي بناء جيلٍ متوازن، قادر على مواجهة تحديات العصر دون أن يفقد صلته بثوابته وأصالته.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى