ترامب وجائزة نوبل : العالم بين سلامٍ مُعلّق وحربٍ مؤجّلة (زينب إسماعيل)

زينب اسماعيل – الحوارنيوز

خسر دونالد ترامب جائزة نوبل للسلام. جملة صغيرة، لكنها تشبه سقوط حجر في مياه راكدة؛ دوائرها تمتد بعيدًا عن الجائزة نفسها. فالرجل الذي أراد أن يوقّع التاريخ باسمه كـ”صانع سلام” يجد نفسه اليوم خارج دائرة الاعتراف الدولي، في لحظة تُشبه كثيرًا العالم الذي صنعه: مليء بالضجيج، قليل الطمأنينة.
الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو فازت بالجائزة، امرأة لم تكن ليس لديها سوى وعود، بالرغم من موقفها المناصر “لإسرائيل”، بينما ترامب، الذي لطالما فاخر بأنه يوقف الحروب بتغريدة، خسر ما لا يقاس بالذهب ولا بالتصفيق، بل بالثقة. وحين يُصاب زعيم مثل ترامب بخيبة رمزية كهذه، لا يتراجع، بل يبحث عن ساحة جديدة يبرهن فيها أنه ما زال الأقوى، ولو كان الثمن سلامًا هشًا في الشرق الأوسط.
لبنان قد يكون إحدى تلك الساحات. بلد يعيش منذ سنوات على حافة الانفجار، كل اتفاق فيه مؤقت، وكل استقرارٍ مشروط. الاتفاقيات التي رعتها واشنطن يومًا — من دعم اقتصادي إلى تسويات في ملف الحدود — قد تدخل مرحلة المراجعة الصامتة. فترامب لا يحب التفاصيل، لكنه يحب الصفقات التي تمنحه مشهد المنتصر. وإن شعر بأن بيروت لم تعد ورقة رابحة في معادلة النفوذ، فقد يُغلق باب الحوار، أو يفتحه لعاصفة من نوع آخر.
أما في غزة، فالهدنة المرهقة أصلًا قد تتحول إلى ورقة تفاوض جديدة. فترامب، الذي يرى العالم من زاوية الأرباح والخسائر، قد يعيد صياغة الشروط، أو يترك الأمور تتفلت قليلًا لتذكّر الجميع بأن “السلام من دون أميركا لا يدوم”. وهنا يكمن الخطر الأكبر، لأن أي تصعيد في غزة ينعكس على المنطقة كلها، وقد يعيد الحروب القديمة بأسماء جديدة.
كل الاحتمالات قائمة. في السيناريو الأفضل، يحافظ ترامب على ما هو قائم، مستفيدًا من الهدوء ليبني لنفسه مجد “البراغماتي الواقعي”. في السيناريو المتوسط، يعيد توزيع الأوراق، يلوّح بالقوة دون أن يستخدمها. أما في السيناريو الأسوأ، فقد نراه يشعل فتيلًا صغيرًا في مكانٍ ما ليذكّر العالم بأنه لا يزال اللاعب الأهم على رقعة النار.
خسارة نوبل لم تغيّر وجه العالم، لكنها كشفت هشاشته. أظهرت كم نحن نعيش في زمنٍ يُخلط فيه بين السلام الحقيقي والسلام القابل للبيع، بين الزعيم الذي يمنح الحياة والزعيم الذي يبتسم وهو يوقّع تحت الرماد.
ربما لم يخسر ترامب الجائزة فقط، بل خسر العالم فرصة أن يفهم أن السلام لا يُمنح، بل يُبنى بصدقٍ وشجاعة.
ويبقى السؤال معلّقًا في هواءٍ مشحون بالترقب: هل سيتعلّم القادة أن المجد ليس في الانتصار على الآخرين، بل في القدرة على إنقاذهم من أنفسهم؟
أم أننا سنواصل الدوران في حلقة الخوف ذاتها، نمنح الجوائز لأصواتٍ تُنادي بالسلام، فيما الطائرات تجهّز أجنحتها لجولةٍ جديدة من الدمار؟
الزمن وحده سيجيب، لكن المؤكد أن العالم لم يعد يحتمل نوبل أخرى تُمنح لمن يصنع الحرب باسم السلام.



