
وائل فايز أبو الحسن* – المكسيك – الحوارنيوز
في خطوة أثارت اهتمام العالم ودهشة حلفائه وخصومه على حد سواء، قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على مجموعة واسعة من الدول، تشمل شركاء اقتصاديين تقليديين مثل كندا والمكسيك، ومنافسين تجاريين كالصين والهند، بل وتصل إلى أراضٍ نائية وجزر غير مأهولة مدرجة رسميًا ضمن “كيانات جمركية مستقلة”.
تأتي هذه السياسة ضمن نهج ترامب المعروف، الذي أعيد إحياؤه في ولايته الحالية، والذي يُعيد تعريف النظام التجاري العالمي وفق رؤية “أمريكا أولًا”، وبمنطق يرى في العلاقات التجارية الدولية ساحة معركة لا ساحة تعاون. الهدف المعلن: تحقيق العدالة والمساواة في التبادل التجاري، وتصحيح ما تعتبره واشنطن “عقودًا من الاستغلال الاقتصادي” من قبل دول استفادت من الأسواق الأمريكية دون أن تفتح أسواقها بنفس السخاء.
الرسوم الجديدة: شمولية غير مسبوقة
من غير المسبوق أن تشمل لائحة الرسوم الأمريكية الجديدة دولًا صديقة وعدوة، غنية وفقيرة، متقدمة ونامية، بل وحتى مناطق جغرافية بالكاد لها دور فعلي في الاقتصاد العالمي. ورغم أن فرض ضرائب على جزر غير مأهولة قد يبدو رمزيًا أكثر منه اقتصاديًا، فإن الرسالة السياسية التي تحملها واضحة: لا أحد مستثنى من مبدأ “المعاملة بالمثل” الذي تتبناه إدارة ترامب.
إيجابيات داخلية… ولكن بثمن
على الصعيد الداخلي، لا شك أن الرسوم الجديدة قد توفر حماية مؤقتة لبعض الصناعات، وتبعث برسائل قوية إلى الطبقة العاملة في ولايات صناعية ترى في ترامب مدافعًا عن الوظائف المحلية. كما يمكن أن تُستخدم كورقة ضغط فعالة في التفاوض على اتفاقيات جديدة، كما حدث في إعادة صياغة اتفاق “نافتا” إلى “USMCA” مع كندا والمكسيك.
لكن الثمن الاقتصادي والاجتماعي ليس بسيطًا. الرسوم تؤدي إلى رفع أسعار السلع المستوردة، ما ينعكس على القدرة الشرائية للمواطن الأميركي، وتضرب قطاعات تعتمد على المواد الأولية المستوردة. الأسوأ أن ردود الفعل الانتقامية من الدول المستهدفة كما حصل في كندا والمكسيك والصين تضرب صادرات أمريكية مهمة، مثل فول الصويا والسيارات والطائرات.
كندا والمكسيك: حليفان تحت النار
كندا والمكسيك، الجارتان الأقرب والأكثر ترابطًا اقتصاديًا مع الولايات المتحدة، وجدتا نفسيهما في قلب العاصفة.
في المكسيك، تسببت الرسوم في توتر العلاقات التجارية والضغط على قطاع التصنيع المرتبط بسلاسل التوريد الأمريكية، لكن الحكومة المكسيكية تجنبت التصعيد المباشر، مفضلة التفاوض الهادئ.
أما كندا، فردّت بالمثل وفرضت تعريفات مضادة على سلع أمريكية، ووصفت الإجراءات الأمريكية بأنها “إهانة” لا مبرر لها، ما أعاد أجواء الحرب التجارية المصغّرة بين الحلفاء التاريخيين.
الرسوم كأداة سياسية
لا يمكن تجاهل البعد الرمزي والسياسي في هذه القرارات. فرض رسوم على جزر غير مأهولة أو دول بالكاد تصدّر شيئًا إلى الولايات المتحدة ليس له مفعول اقتصادي مباشر، بل هو رسالة واضحة مفادها: الولايات المتحدة تعيد رسم قواعد اللعبة العالمية وفق إرادتها، حتى لو كانت الرسوم رمزية أو غير ذات جدوى اقتصادية.
المخاطر: تآكل الثقة واضطراب التحالفات
تكمن الخطورة الحقيقية في تقويض الثقة الدولية في استقرار السياسة التجارية الأمريكية، ما قد يدفع الدول إلى تقوية تحالفاتها البديلة بعيدًا عن واشنطن. ومن شأن ذلك أن يُضعف موقع الولايات المتحدة مستقبلاً، خاصة إذا ما تعرّضت هذه السياسات للتغيير أو التراجع في الإدارات اللاحقة، ما يزيد من حالة عدم اليقين.
خلاصة: بين المكاسب الآنية والانزلاق نحو العزلة
ترامب يستخدم الرسوم الجمركية كسلاح تفاوضي، وكسلاح رمزي في آنٍ معًا. قد يجني منها مكاسب داخلية وسياسية، لكن الاستخدام المفرط أو العشوائي لهذا السلاح قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ليس فقط اقتصاديًا بل أيضًا استراتيجيًا. فالعلاقات لا تُبنى فقط على الأرقام، بل على الثقة المتبادلة والاحترام السياسي وهي أمور يصعب استعادتها متى فُقدت.
*محام مقيم في المكسيك



