رأي

ترامب رئيسًا مجددًا: بين وعود الإصلاح والسلام .. هل يستطيع تحقيق الاستقرار؟(كولشان صغلام)

 

د. كولشان يوسف صغلام – الحوارنيوز

 

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كرئيسٍ للولايات المتحدة للمرة الثانية، تتعالى التساؤلات حول ما قد يحمله هذا العهد الجديد من تأثيرات على الساحة الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. بشعاره “سنصلح أمريكا”، يبدو ترامب وكأنه يَعِدُ بإصلاحاتٍ شاملة على المستويين الداخلي والخارجي، لكن تحقيق هذه الوعود يواجه تحدياتٍ كبرى، منها ما هو مُتجذّر في الداخل الأمريكي، ومنها ما يعقده الوضع المتفجر في الشرق الأوسط.

وعود ترامب في الشرق الأوسط: السلام والاستقرار

 من أبرز وعود ترامب في حملاته الانتخابية تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتحويله إلى منطقة أمان وسلام. في فترته الأولى، كانت سياساته تركز على إضعاف نفوذ القوى الإقليمية المعادية مثل إيران، وتأييد إسرائيل بشكل غير مشروط، بما في ذلك قرارات مثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. هذا الموقف جعله يحظى بتأييد كبير من الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي اعتبره حليفًا قويًا.

لكن، هل يستطيع ترامب بالفعل تحقيق الاستقرار المأمول في المنطقة؟ ومع التركيبة المعقدة للشرق الأوسط، والتي تشمل صراعات طويلة الأمد مثل القضية الفلسطينية، والصراع في سوريا، وحرب اليمن، والتوترات بين السعودية وإيران، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة ترامب على تنفيذ وعوده بشأن تحقيق السلام في هذه المنطقة.

القضية الفلسطينية: تعقيدات في العلاقات مع إسرائيل

 بالنسبة لفلسطين، تظل الشكوك قائمة حول مدى جدية إدارة ترامب في معالجة حقوق الفلسطينيين. في فترته الأولى، لم يخفِ ترامب ميله لدعم إسرائيل، وهو ما تجسد في قراراته بشأن القدس والجولان. وعلاقته الوثيقة مع نتنياهو قد تجعل من أي محاولة لإيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمرًا معقدًا. لا يبدو أن ترامب يملك خطة واضحة تحقق توازنًا بين مصالح الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما يثير قلقًا بين الكثيرين، الذين يتطلعون إلى حلٍ عادلٍ ينهي الاحتلال ويحقق استقلال دولة فلسطين.

 

إيران: سياسة الضغط أم الدبلوماسية؟

من جهة أخرى، تشير السياسات السابقة لترامب تجاه إيران إلى أنه يميل إلى التصعيد بدلًا من الدبلوماسية. في فترته الأولى، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع طهران، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، مما أدى إلى تفاقم العزلة الإيرانية على الساحة الدولية. فهل سيواصل هذا النهج في فترته الثانية، أم سيسعى إلى تبني أساليب دبلوماسية جديدة للحد من طموحات إيران النووية؟ في ظل التوترات في العراق وسوريا ولبنان واليمن، يبقى السؤال الأهم: هل سيواصل ترامب ممارسة الضغط على طهران أم سيبحث عن مخرج دبلوماسي للأزمة؟

تركيا والعلاقات الإقليمية: تحولات في السياسة

 فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، يشهد الوضع تحولًا محتملاً في ولاية ترامب الثانية. في فترة بايدن، شهدت العلاقات الأمريكية التركية توتراً ملحوظًا، خاصة في قضايا مثل سياسة واشنطن تجاه الأكراد ودعمها لحزب العمال الكردستاني وادرعته، الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية ويشكل تهديداً جدياً لأنقرة منذ 40 عاماً. كما كانت هناك خلافات حول السياسة الأمريكية في سوريا، حيث دعمت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية التي تضم مقاتلين أكراد.

لكن مع ترامب، يُتوقع أن تتحسن العلاقات مع تركيا. فهو يفضل التعامل مع القادة الذين يتمتعون بنفوذ قوي مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا قد تكون في طريقها إلى التخفيف، لكن يبقى أن تركيا لا تنظر برضا إلى الدعم الأمريكي للأكراد، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات في المستقبل.

إسرائيل والأكراد: اللعبة المعقدة

 ولا يخفى على أحد أن إسرائيل تلعب دورًا معقدًا وسلبياً في هذه المنطقة، حيث تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والسعي لتحقيق هدفها الخفي للسيطرة على الشرق الأوسط من خلال حلمها بالشرق الأوسط الجديد مع بعض القوى الإقليمية، بما في ذلك دعم فكرة إقامة دولة كردية مستقلة. في هذا السياق، يُعتقد أن إسرائيل تعمل وراء الكواليس على دعم بعض المجموعات الكردية، وهو ما يثير القلق في تركيا، التي ترى في هذا الدعم محاولة لزعزعة استقرارها الداخلي. فهل ستسمح سياسات ترامب بتحقيق طموحات الأكراد في المنطقة، أم سيعمل على تطويق هذه المشاريع وتحسين العلاقات مع أنقرة؟

 

أوكرانيا: هل يستطيع ترامب التأثير على بوتين؟

 أما فيما يخص الحرب في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث، فإن قدرة ترامب على التأثير في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تظل محل تساؤل. ترامب كان قد أبدى في وقت سابق إعجابه ببوتين، ولكن هل يستطيع استغلال هذه العلاقة في الضغط عليه لإنهاء الحرب؟ بالنظر إلى موقف بوتين الذي لا يبدو أنه في عجلة للانسحاب من أوكرانيا، يبقى من غير الواضح ما إذا كان ترامب يمكنه استخدام تأثيره لإحداث تغيير في هذه الأزمة.

الوعود الاقتصادية: هل ينجح ترامب في “إصلاح أمريكا”؟

 من الناحية الاقتصادية، يتعهد ترامب بالتركيز على إصلاح الاقتصاد الأمريكي من خلال تقليل الضرائب، تعزيز الصناعات المحلية، وتقليل الاعتماد على التجارة الخارجية. لكن إذا كانت الولايات المتحدة ستستفيد من هذه السياسات، فإن هذه التحولات الاقتصادية قد تأتي على حساب مصالح بعض حلفائها في المنطقة، مما يضيف طبقة جديدة من التعقيد في العلاقات الأمريكية الإقليمية.

تحديات داخلية: الدولة العميقة والمصالح الأمريكية

علاقة ترامب بما يُعرف بـ “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة، أي المؤسسات العسكرية والاستخباراتية التي تمارس نفوذًا كبيرًا على السياسة الخارجية، تظل موضوعًا مثيرًا للجدل. خلال فترته الأولى، شهد ترامب توترات ملحوظة مع بعض هذه المؤسسات، وكان في كثير من الأحيان في موقف صدامي معها. ومع ذلك، تظل تساؤلات حول مدى قدرة ترامب على إعادة تشكيل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في ضوء هذه العلاقة المتوترة.

إضافة إلى ذلك، تبقى المؤسسات السياسية الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين جزءًا من معادلة معقدة، يواجه فيها ترامب تحديات داخلية وخارجية قد تؤثر على سياساته. في هذا السياق، قد تكون سياساته في الشرق الأوسط مجرد جزء من صورة أكبر تسعى إلى تعزيز المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الأمريكية، التي قد لا تتوافق دائمًا مع طموحات بعض الدول الإقليمية.

بالنهاية الاستقرار الممكن أو الوهمي؟

بينما تسود الشكوك حول قدرة ترامب على تحقيق وعوده بسلام دائم واستقرار في الشرق الأوسط، فإن فترة ولايته الثانية قد تشهد مرحلة جديدة من السياسة الأمريكية التي تطرح نفسها كـ “منقذ”، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات كبيرة ومعقدة. من الواضح أن تحقيق الاستقرار في المنطقة لن يكون أمرًا يسيرًا، خاصة إذا استمرت التوترات الإقليمية والتهديدات الإسرائيلية، وإذا لم يتبنَّ ترامب نهجًا دبلوماسيًا أكثر توازنًا وحكمة يعالج القضايا بعدل وإنصاف.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى