تداعيات ضرب العمق الروسي بصواريخ أمريكية (فلاح الحسن)
د. فلاح الحسن – الحوارنيوز
في تطورٍ جديدٍ وخطيرٍ استخدمت موسكو صاروخاً فرط صوتي متعدد الرؤوس الحربية (اوريشنيك) رداً على سماح واشنطن وحلفاءها- لندن وباريس باستهداف الأراضي الروسية بصواريخ (ATACMS) الامريكية وSTORM SHADOW البريطانية وSCALP الفرنسية، رداً على نشر قوات عسكرية من كوريا الشمالية، بحسب المصادر الغربية. من جانبها لم تؤكد واشنطن رسمياً هذه المعلومات رغم ان القوات الأوكرانية قد قصفت بصواريخ (ATACMS) مدينة بريانسك الروسية مستهدفة قواعد عسكرية، حسب الرواية الأوكرانية.
السماح باستهداف العمق الروسي يزيد مخاطر تورط حلف الناتو في الحرب الجارية بشكل قد يؤدي الى مواجهة مباشرة بين الطرفين، وهذا ما ترحب به كييف وتعمل على تحقيقه طوال فترة الحرب. فقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امام حشد من الاعلاميين بان استخدام هذا النوع من الأسلحة يحتاج الى تقنيات وخبراء من حلف الناتو ولا تستطيع أوكرانيا استخدامها لوحدها، ما يؤكد مشاركة دول الحلف في الصراع، وان موسكو تحتفظ بحق الرد على هذه الخطوة بما تعتقده مناسباً من ناحية الزمان والمكان والوسيلة، بحسب سيد الكرملن.
الرد النووي وارد لكنه مستبعد الآن، رغم تلويح بعض الساسة الروس بالعصا النووية واجراء مناورات بهذا الشأن، وخاصة ان الدفاعات الروسية تمكنت من اسقاط 5 صواريخ من أصل 6 تم اطلاقها على مدينة بريانسك واعطاب السادس، كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية. فاذا نجحت موسكو في تفادي مخاطر هذه الصواريخ فأنها لن تلجأ الى خطوات تصعيدية أخرى لكنها ستستمر بفرض سيطرتها على مناطق واراضي جديدة في العمق الأوكراني وخاصة تلك التي تراها موسكو ضمن الأقاليم التي ضمتها بداية الحرب الى الأراضي الروسية بشكل رسمي.
يرى البعض ان خطوة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن تهدف الى قطع الطرق امام الرئيس ترامب القادم الى البيت الأبيض والذي أعلن عن قدرته وقف الحرب الدائرة خلال أيام معدودة فور استلامه مقاليد الحكم. لكن عملية سحبه رخصة استخدام الصواريخ الامريكية لضرب العمق الروسي ستكون صعبة جداً وقد تحسب عليه وتحوله الى متعاون مع الرئيس بوتين وخائن للمصالح الامريكية العليا، كما يدعي البعض. من جانبها كانت موسكو قد أعلنت قبل فترة عن تغيير كبير في عقيدتها النووية سمحت في احدى فقراتها باستخدام السلاح النووي اذا تم استهداف الأراضي الروسية او أراضي الحليفة روسيا البيضاء بأسلحة تقليدية وبدعم من دولة نووية بما يشكلُ تهديداً وجودياً لأي منهما، ما ينذر بحرب نووية قادمة في حال اعتمد الجميع الحل العسكري للصراع القائم وإصرار حلف الناتو على الحاق هزيمة عسكرية استراتيجية للجيش الروسي في ارض المعركة، وهو هدف مستبعد حالياً، ان لم يك مستحيلا على المدى المنظور، وخاصة ان الجيش الاوكراني المنهك غير قادر على إيقاف التقدم الروسي على خطوط القتال.
من جانب اخر فان ادخال أسلحة أمريكية غربية جديدة لساحة المعركة يدل على نجاح موسكو وتقهقر الجيش الأوكرانية في ساحة المعركة وهذه الأسلحة وسيلة لوقف التقدم الروسي او على اقل تقدير اعاقته في تحقيق أهدافه بفرض سيطرته على أراض جديدة.
تسلسل الاحداث وكسر الخطوط الحمر التي يضعها الكرملن بشكل تدريجي يدل على تحدي غربي واضح لسيد الكرملن فلاديمير بوتين. فأول هذه الخطوط الحمر كان تزويد كييف بالقنابل العنقودية المحرمة دوليا تلاه تزويدها بدبابات ابرامز الامريكية وكذلك التشالنجر البريطانية والألمانية ليوبارد ثم تقديم طائرات اف 16، وكان دخول كل نوع من هذه الأسلحة يرافقه تهديدا روسيا برد حاسم لم يشعر به احد بشكل واضح، واخر هذه الاستفزازات هو الموافقة على قصف العمق الروسي، لذا نعتقد ان موقف موسكو اصبح صعباً جداً في حال عدم الرد على ما يقوم به حلف الناتو، ومن الردود المتوقعة الاخرى بعد اطلاق الصاروخ (اوريشنك) هو اتمام صفقة طائرات سوخوي 34 مع طهران وتزويد الحوثيين بصواريخ حديثة قادرة على إصابة القطع البحرية الامريكية في البحر الأحمر وبحر العرب مع زيادة التعاون العسكري مع كوريا الشمالية، يرافق ذلك عدم اتاحة الفرصة لفتح جهات أخرى وخاصة في خاصرة روسيا الاسيوية او أي اصطدام مباشر مع دول حلف الناتو لتجنب كل ما يؤدي الى مواجهة مباشرة بين الطرفين. قد تأتي هذه الخطوات على شكل مراحل او في سلة واحدة وبوقت متزامن.
التصعيد الجديد قد يهيئ الأرضية المناسبة لوضع نهاية لهذه الحرب باتباع ما يسمى سياسة (حافة الهاوية) مع قدوم الرئيس ترامب، او على العكس قد يُعَقّد الوضع السياسي والعسكري لنرى أسلحة جديدة غير مستخدمة سابقا، مع دخول أطراف أخرى لهذا الصراع، ما يعطيه وجهاً وبُعداً دولياً اقرب ما يكون الى حرب عالمية ثالثة تحرق كل الأيادي التي تحركها من بعيد او قريب.
*عضو المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل