بقلم العميد المتقاعد د. عادل مشموشي.
نجحت الزَّمرُ الحاكِمةُ في لبنان في إجراء الانتخاباتِ النيابيَّةِ وفقَ آليَّةٍ مُفصَّلةٍ على قياسِ مصاطبها السياسيَّة، فغلَّبت حظوظَها في فوزِ مُرشحيها في مُعظمِ المقاعدِ النيابيَّة، ساعيةً للايحاءِ للمجتمعين الدَّولي والمحلي أنها تمثِّلُ الشَّريحة الأكبرَ من الشَّعبِ اللبناني. هذا في الشَّكلِ أما في المضمون فإنها نجحت إلى حدٍّ كبيرٍ في تزوير الإرادَةِ الشَّعبيَّةِ مُسبقا باعتمادِها قانونٍ انتخابيٍّ مَسِخٍ يُسهل عليها التَّحكُّم بأصواتِ الناخبينَ بالتهديد المبطَّن بلقمة عيشهم، وبرشاوى مُقنَّمة وغير مُقنعَة من خلال إقدامها ومنذ أشهر على توزيع مُساعداتٍ عينيَّةٍ وأخرى ماليَّة، وها هي تستعدُّ لرشاوى مَكشوفة يوم الانتخابات، مُستفيدةً من ماكينَتها الانتخابيَّةِ المُخضرَمةِ والخبيرةِ في رهنِ الناخبين لانتزاعِ أصواتهم يوم الاقتراع، أو لسلبها، تماما كما سلبت حقوقهم من خلال ممارساتها السِّياسيَّة.
لقد عمدت الزُّمرُ الحاكِمَةُ إلى نهبِ ثرواتِ الوطن، وخيراته، كما استدانت على اسم لبنان وشعبهِ، ومن ثم اختلست تلك الأموالِ بعد التظاهُر بتَخصيصها لمشاريعَ إنمائيَّةٍ وهميَّةٍ تارةً وصوريَّةٍ تارة أخرى، ولم تكتف بذلك بل عمدت آلى تهريبِ ما اكتنزته من أموال ملوثةٍ بدماءِ وعرقِ الشَّعبِ اللبناني وهرَّبتها للخارجِ ،”بتعليمة” من حاكم المصرفِ المَركزي، الذي اتَّفقَ مع جمعيَّةِ المصارفِ على احتجازِ أموالِ المودعين بمباركة من كبار المسؤولين في الدولةِ وتقطيرِها عليهم بما لا يُساوي حاجاتهم اليوميَّةِ الملحَّة، والأسوأ من كل ذلك محاولة المسؤولين عن معانات الناس تبييضِ صَفحتهم بتوزيعهم حصصا غذائيَّة، على غرار ما يفعل بعض اللصوصِ المحترفين بعد أن يرتكبوا جريمتهم بحيث يعرضون على ضحيَّتِهم المُساعدة، كأن يدفع الجاني لضحيَّته بدل إجرة التاكسي التي يستقلانها بعد أن نشله حافظة نقوده، لينال منه الثناء رغم انه سرقه.
رغم كل الظروفِ الصَّعبةِ والموازين غير المُتكافئةِ يقدمُ اليومَ أشخاصٌ مفعمون بالروحِ الوطنيَّةِ مُضحين بالكثير، رغم ضعفِ إمكاناتهم الماليَّةِ واللوجستيَّة لخوضِ غمار الانتخاباتِ النيابيَّة. إنهم جميعا ثوار على الجور والظلم المتماهي في تغطرسه، وها هم يقفون شبه عراة أمام ما لدى الطغمة الحاكمةِ من أسلحَة انتخابيَّة فتَّاكة، إنهم فدائيون مضحون يُعبرون عن حس بالمسؤولية وإرادة صلبة في تصديهم للطغاة المارقين، إنهم فعلا يعملون فداءً للوطن.
الخوضً في غمارِ الانتخاباتِ النيابيَّةِ أشبه بحربٍ عسكريَّةٍ توجبُ على المُتحاربينَ التفكير والتَّخطيط المُسبقين ،وخاصَّة على الفريقِ الأضعف، ولا بدَّ من اللجوء إلى تكتيكاتٍ موجِعة للخَصم، ومناورات تقلقه أو لا تدعه يرتاح على أقل تقدير، وفي التوازي يتبغي العملُ على كشفِ مكائده وإفشالها وخاصَّة عندما يكون الخصم هو من يمتلك زمام المبادرةِ ويتحكم بأرض المعركة، ويتفوق بقدراته.
اقول ذلك مُتوجِّها إلى مرشحي الثورةِ او الانتفاضةِ الشَّعبيَّةِ كمنخرطين في بعضٍ من كياناتها أم مستقلين، خاصَّةً وانه ليس بمقدور أي مكون من مكونات الحراك او بعض منها الزعم بأنه يختصرُ الثورة في تمثيله. إذن علينا الاجابة على السؤال التالي: كيف يمكن للمرشحين في وجه الزمر الحاكمة تحقيق أفضل النتائج؟
للإجابة على السؤال المطروح أعلاه ينبغي اولا فهم طبيعة ومقتضيات العمل البرلماني الذي يرتكزُ على ثلاثةِ أسس مُتكاملةٍ هي التَّشريعُ والرَّقابة والمساءلة السياسيَّة لأداء من هم في السلطة التنفيذيَّة. وهذا ما يدعونا للقولِ إن اولى المواصفاتِ تتطلُّبُ الحدّ الأدنى من المعارفِ القانونيَّة، ويليها مباشرة القدرة على التَّصدي ومواجهة الضغوط.
الأمر الآخر الجدير بالاهتمامِ أيضا هو أن تحقيق المرامي والغاياتِ النبيلةِ يوجب تقديم بعض التَّضحياتِ لتمكين الثوار من التمترس خلف جبهةٍ مُتراصَّةٍ تقومُ على تبني لائحةٍ واحدةٍ مُوحَّدة، وخاصَّة بعد أن تبين من دون أدنى شك أن الزمر الحاكمة سعت بل روَّجت إلى زيادةِ عددِ المُرشَّحين المُعارضين لتفتيتِ وشرذمة أصواتِ الناخبين المعارضين للسُّلطة، وبهذا تنجحُ لوائحها المُتقابلةّ صُوريا. وعليه أدعو لتنبُّه المرشَّحين المعارضين حقيقة للزمر الحاكمة بضرورة بذل أقصى الجُهدِ لتوحيد المرشحين وتشكيل لائحة واحدةٍ تشكل بكليتها حيثية مُهيأةٍ لتحقيقِ نصرٍ مؤكَّد، ولو تمثلَ بخرقٍ متواضِع للوائح السُّلطة، يبقى أفضل من تمكين الخصوم من الفوز بجميع المقاعد.
وعليه أدعو مرشحي الثورة على امتداد الاراضي اللبنانيَّة وبخاصَّة مرشَّحي منطقةِ جبل لبنان الدائرة الرابعة “الشوف وعاليه” وأشجِّعُهم للتَّواصُلِ والتعاون في ما بينهم ومقاربةِ هذه المسألة الهامة بكل مسؤوليةٍ وانفتاح وشَفافيَّةٍ، توخيا لتحقيق المرتجى من خوضِ الانتخاباتِ، وكي لا نسهم جميعاعن غير قصدٍ في حسم المعركة لصالحِ قوى السَّلطة. أقول هذا مُعربا عن استعدادي المطلقِ كمُرشح للامتثال وتلبيةِ كل ما يصبُّ في صالحِ القضيَّة التي نسعى جميعا لخدمتها، كل من منظارِهِ وتقديراتِهِ وتحليلاتِه.
آمل من جميع المُرشحين التَّحلي بالمسؤولية، والعملِ سريعا على تبني معايير مُجرِّدةٍ وكفيلةٍ في تحقيق أفضل النتائج المُمكنة في ظل الظروف الراهنة، مؤكدا على أن الترفع عن الأنانياتِ الشَّخصيَّة يدلُ عن حس بالمسؤوليَّة وسيكون للمتعاون كل التقدير والامتنان على المستوى الوطني.
وأختمُ بالقول إن المساهمةَ في توحيد الجهود هو من قبيل التَّضحياتِ التي تتطلَّبها مصلحةُ الثورة، ولا تنقص من مكانة من ينسحبِ من العمليَّة الانتخابيَّة لصالح ترشيد الجُهود وتوحيد الصُّفوف.
أقولها والرب أدرى بصدق النيّات الخالصة للوطن.
زر الذهاب إلى الأعلى