كتب حلمي موسى من غزة:
تُكثر وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرا من الحديث عن عملية برية واسعة في رفح، عبر نقلها تصريحات وتقارير عن مسؤولين إسرائيليين وآخرين. ورغم أن عددا من المعلقين السياسيين والعسكريين يعتبرون أن جانبا من الحديث عن رفح ليس إلا لعبة إعلامية حينا أو تفاوضية مع حماس حينا آخر، إلا أن متابعين يلحظون تطور الهجمات والغارات الإسرائيلية، ما يعتبرونه تمهيدا أو ابتداء للعملية العسكرية. وفي كل حال يزداد الضغط الدولي والأمريكي على إسرائيل محذرين من أن عملية واسعة في رفح ستقود إلى كارثة إنسانية.
ورأت شبكة الإذاعة شبه الرسمية في إسرائيل أن العملية في رفح باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن خطوات عملية بدأت في هذا الاتجاه. وذكرت “ريشت بيت” أن إسرئيل اتخذت خطوة عملية لتسهيل العملية البرية في رفح وتتمثل في توسيع المجال الإنساني بشكل كبير في القطاع. واعتبرت هذه الشبكة أن هذه خطوة عملية على طريق بدء العملية اتي تتحدث عنها مختلف أطراف الحكومة الإسرائيلية منذ وقت طويل. وتتمثل هذه الخطوة في إنشاء مخيمات بقدرة استيعابية عالية لحوالي مليون نازح في منطقة خانيونس حيث تم بناء خمسة مستشفيات ميدانية هناك، وأن هذه إشارة لجميع الأطراف بأن عملية رفح تقترب.
ومن المتوقع أن تكون القدرة الاستيعابية في المكان ضخمة، وتشمل نحو مليون مكان. كما أفادت التقارير أنه تم بالفعل بناء خمسة مستشفيات ميدانية هناك، وأن هذه إشارة لجميع الأطراف بأن عملية رفح تقترب بالفعل.
ومن الجائز أن نتنياهو، الذي كان أكثر من سواه، حديثا عن وجوب دخول رفح، هو من أعاد فتح الباب حول رفح في كلمته بمناسبة عيد الفصح حين قال “إن حماس لم تتراجع عن مواقفها في ما يتعلق بصفقة التبادل. وأضاف: ” في الأيام المقبلة سنزيد الضغوط العسكرية والسياسية على حماس لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحرير رهائننا وتحقيق انتصارنا”.
وأشار نتنياهو إلى أنه في ما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى: “للأسف، حتى الآن، تم رفض جميع العروض المقدمة للإفراج عن المختطفين من قبل حماس. ولهذا السبب قال وزير الخارجية الأمريكي عن حق: لقد رفضت حماس جميع العروض المقدمة للإفراج عن المختطفين”. وبحسب قوله فإن “الشيء الوحيد الذي يمنع التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المختطفين هو حماس”. وأنه “بدلاً من التراجع عن مواقفها المتطرفة، تقوم حماس بالبناء على الانقسام في داخلنا، وتستمد التشجيع من الضغوط الموجهة ضد الحكومة الإسرائيلية. ونتيجة لذلك، فهي لا تؤدي إلا إلى تشديد شروطها لإطلاق سراح مختطفينا”. وبعدها، عاد وألمح إلى تشديد الإجراءات ضد حماس وقال: “لذلك سنوجه إليه ضربات إضافية ومؤلمة – وهذا سيحدث قريباً”.
من جانبها ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” التي كثيرا ما تعتمد مصادر مقربة من نتنياهو أن مصر على علم بعملية قادمة في رفح رغم استمرار معارضة إدارة بايدن لها. ورأت أن “الجيش الإسرائيلي يستعد لاستكمال العمليات استعدادًا لعملية برية في رفح. ويأتي هذا التقرير بعد أيام قليلة من كلام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان إصراره منذ أكثر من شهرين أن يقوم بعملية في آخر معقل لحماس في قطاع غزة وأنه مجرد مسألة وقت، وهدد بأنه “في الأيام المقبلة سنزيد الضغط العسكري على حماس، لأن هذا هو الهدف. الطريقة الوحيدة لإطلاق سراح رهائننا”.
وبحسب مسؤولين مصريين تحدثوا للصحيفة، فمن المتوقع حتى قبل العملية البرية أن تكون هناك عملية معقدة بنفس القدر – وربما أكثر أهمية في نظر العالم: عملية لإجلاء أكثر من مليون نازح جاءوا إلى رفح، المدينة التي أصبحت ملجأ خلال أشهر الحرب الستة. وزعمت المصادر أن “عملية الإخلاء هذه قد تستمر ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع”، مشيرة إلى أنها ستتم بالتنسيق مع واشنطن والقاهرة ودول عربية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة.
ووفقا لهم، تخطط إسرائيل لنقل القوات إلى رفح تدريجيا، والتركيز على المناطق التي تعتقد المؤسسة الأمنية أن قادة حماس يختبئون فيها. وبحسب المصادر فإن “المعارك هناك من المتوقع أن تستمر ستة أسابيع على الأقل”. وأوضح مسؤول أمني إسرائيلي تحدث للصحيفة أن “هذا سيحدث. ستكون لدينا خطة عملياتية محكمة للغاية لأنها ستكون معقدة للغاية (للعمل في رفح). وفي الوقت نفسه، سنقدم “عملية إنسانية” تستجيب للوضع”.
ووفقا للتقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، تستعد إسرائيل لنقل المدنيين من رفح إلى مدينة خان يونس المجاورة، حيث غادرت القوات المناورة الشهر الماضي، وكذلك إلى مناطق أخرى، حيث تخطط لإقامة ملاجئ مع الخيام، ومراكز توزيع للمواد الغذائية والمرافق الطبية بما في ذلك المستشفى الميداني. وبحسب التقرير فإن المسؤولين المصريين الذين تحدثوا مع الصحيفة تلقوا بالفعل إحاطة بشأن الخطط الإسرائيلية.
وفي إسرائيل، يزعم كبار المسؤولين على المستوى السياسي والعسكري أن العمل في رفح أمر واقع ، حيث لا يزال لدى حماس أربع كتائب عسكرية نشطة هناك ، من بين 24 كتيبة منتشرة في أنحاء القطاع، والتي تم حل معظمها .
وعقدت إسرائيل والولايات المتحدة يوم الخميس اجتماعا ثانيا عبر الفيديو المشفّر، حيث ناقشا العملية الإسرائيلية في رفح، وحضر الاجتماع الوزير رون ديرمر من الجانب الإسرائيلي، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي وممثلون آخرون عن الجهاز الأمني. ومن الجانب الأمريكي، شارك مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، إلى جانب آخرين وممثلي الأجهزة الأمريكية المختلفة.
وقد تم بالفعل تحديد موعدين لهذا الاجتماع تأجلا لأسباب مختلفة. ويأتي هذا اللقاء، في إطار الحوار الاستراتيجي بين البلدين، على خلفية تقديرات باقتراب عملية رفح. وفي الاجتماع السابق، كان لدى الأميركيين تحفظات على خطة الإخلاء الإسرائيلية، واعتقدوا أن إجلاء السكان سيستغرق أربعة أشهر على الأقل. وبناء على طلب الأميركيين، ستقوم إسرائيل بشراء 40 ألف خيمة تسمح بإجلاء السكان إلى منطقة آمنة.
أما المعلق العسكري ل”هآرتس”، عاموس هارئيل فكتب أنه ” بعد مرور اكثر من شهرين على التهديدات العلنية فانه يبدو أن اسرائيل وبحق، تقوم في الاسبوع الاخير بالعمليات الاولية قبل احتمالية الدخول العسكري الى رفح. حتى الآن من غير الواضح ماذا سيكون حجم العملية، هذا اذا حدثت أصلا، ازاء الخلاف حول هذا الامر مع الادارة الامريكية، الذي ظهر مرة اخرى في نهاية الاسبوع في لقاء “الزوم” بين جهات رفيعة في الطرفين. ولكن التطورات على الارض تشير الى الاستعداد لحدوث تغيير.
الجيش الاسرائيلي قام بتجنيد لواءين في الاحتياط في فترة قصيرة، يمكن أن يحتلا الممر الذي يفصل بين شمال وجنوب القطاع وتحرر لواءين نظاميين، لواء الناحال ولواء المدرعات 401، كي يقوما بالاستعداد قبل دخول رفح. انسحاب القوات من خانيونس يسمح لمئات آلاف الفلسطينيين بالعودة من رفح الى الشمال، الى بيوتهم المدمرة، بصورة ستقلص حجم السكان المدنيين الموجودين في جنوب القطاع. ايضا الاعدادات التي يقوم بها النظام المصري على منطقة الحدود مع القطاع، وعدة تسريبات من القاهرة، تدل على أنهم في مصر يعتقدون أن العملية الاسرائيلية تقترب.
يضيف:نتنياهو ووزير الدفاع، واحيانا الوزير بني غانتس وقادة كبار في الجيش الاسرائيلي، جميعهم يتحدثون عن الحاجة الى استخدام الضغط العسكري من اجل الدفع قدما بصفقة جديدة لاطلاق سراح المخطوفين الباقين. في رفح ما زالت تتمترس اربع كتائب لحماس. وحسب الجيش الاسرائيلي فان حوالي 18 كتيبة من كتائب حماس في القطاع تم تفكيكها بالكامل، وتقريبا 12 ألف مخرب في حماس والجهاد الاسلامي قتلوا. كتيبة أو كتيبتان في حماس ما زالت تعمل بشكل جزئي في مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، ولكنها تكبدت مؤخرا خسائر في العملية الاسرائيلية في مخيم النصيرات.
“احتلال رفح سينزل ضربة قاسية على حماس، لكن من يعتبر ذلك نهاية المعركة يضلل الجمهور. الدليل على ذلك هو ما يحدث في شمال القطاع. الجيش الاسرائيلي قام باخلاء المنطقة تقريبا بصورة مطلقة، وحماس عادت وسيطرت هناك بالتدريج. قدرة حماس العسكرية تضاءلت حقا، واقتحامات اسرائيل المتواترة في شمال القطاع تعمل على ابقاء الوضع على حاله. ولكن حماس لا تجد صعوبة بشكل خاص في اعادة رموز السلطة المدنية”.