تجارة.. في الإعلام
ليست تجارة الجسد فقط مهنة الفاسقات او الفاسقين ذكوراً وإناثاً، إنما لها أشكال مختلفة. فتجارة الفكر والعقل، أخطر بكثير من بيع الجسد. أن تبيع الجسد لسبب ما، قد يكون مرتبطا بالحالة الاجتماعية او السلوكية لشخص ما كالفقر وغيرها من الأسباب، قد تؤدي بالشخص الى امتهان هذه المهنة، أو أن تكون حالة شذوذ.
عندما تعرض مؤسسات مشبوهة مبالغ طائلة لأشخاص معينين ذوي تأثير اجتماعي على بيئتهم او محيطهم لترويج لموقف سياسي مطبع مع العدو او لاستهداف المقاومة وبيئتها، ويرتضي هذا الشخص القيام ببيع بضاعته مقابل هذا المال، فهو بهذا العمل يعمل بالتجارة ،حتى لا نقول أكثر، ولا فرق بينه وبين المومس.
الكثير من "الفنانين" و "الإعلاميين" يتعرضون لمثل هذا الإغراء مقابل حفنة من الأموال. منهم من وقع في الفخ ومنهم من فهم اللعبة ورفضها. مثال على ذلك في صور "التويتات" المرفقة للفنانة كارول سماحة والإعلامية يمنى شري اللتين عرضت عليهما مبالغ مالية معينة لقاء "التغريد" او وضع "بوست" ضد جهة معينة ورفضتا ذلك، والمبلغ قد يصل الى راتب ثابت مقداره ثلاثة الاف دولار شهرياً، وعلى كل بوست او موقف مبلغ مقطوع أيضاً، والسعر يرتفع ويهبط بحسب قيمة الشخص المعنوية، وقس على ذلك الكثير من نفس المهن المذكورة اعلاه وغيرها. وهذا ما تفعله بعض المحطات التلفزيونية المشبوهة الآن من استضافتها لأشخاص معروفين أحيانا ومغمورين تارة أخرى، فقط لترويج الاكاذيب واثارة الفتن والنعرات لاهداف باتت معروفة.
لا اعلم الى متى سيبقى هذا العهر الإعلامي تحت شعار "حرية الإعلام والتعبير عن الرأي"، وهل الترويج للإشاعات وتلفيق الأخبار، وتضليل الرأي العام والجمهور والكذب والإفتراء يعتبر إعلاماً؟ وأين منها مبادىء المهنة او "حرس" هذه المهنة من مواجهة ما يجري على الساحة اللبنانية بالتحديد. إن خطأ صغيرا متعمدا او مقصودا قد يؤدي الى سقوط قتلى او كفيل باحراق أحياء بأكملها، فالى متى السكوت على هؤلاء "التجار".
في سنة 1874 أصدر نادي الإعلاميين في السويد، ميثاق شرف صحفيا اختص بتلقي ونظر شكاوى الجمهور ضد ما تنشره الصحف، وتلت ذلك عدة مواثيق شرف للصحفيين وللمؤسسات الإعلامية في فرنسا وأميركا، ثم انتقلت إلى دول أخرى. لقد صوب قادة الاتحاد الدولي للصحفيين جهوده نحو ابتكار ميثاق أخلاقي عالمي تلتزم به النقابات الوطنية الأعضاء في "الاتحاد" ، لتنزله على أرض الواقع، وبالفعل أَطلق الاتحاد في العام 1954 "إعلان مبادئ عالمي لممارسة مهنة الصحافة"، الذي جرى تعديله في المؤتمر العام للاتحاد في 1986. وقد تبنته نقابات واتحادات الصحفيين حول العالم باختلافات خلفياتها الثقافية والفكرية والقانونية.
فأين وسائل الإعلام اللبنانية من هذه المبادئ، وهل ستبقى السلطة السياسية في لبنانية غائبة عما يجري أم تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار دون التحرك نحوإقفال هذه المحطات او نزع التراخيص عنها. أم هناك تواطؤ أيضاً وشراء ذمم تجعل من هذه المحطات ملعباً للعب على أوتار الطائفية المقيتة وتحريض الأخ على أخيه في هذا البلد البائس.
في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، طرح تغيير لقب "الفخامة" لـ "سيادة" على رئيس الجمهورية، فقامت الدنيا ولم تقعد من قبل البطريركية المارونية في لبنان واعتبروه مسا بكرامة الرئيس وانتقاصا من حقه و..و.. فماذا عن محطة تلفزيونية تمتلكها نزعت حتى صفة "الرئيس" عن الرئيس العماد ميشال عون، ولم ينبر أحد للدفاع عن هذا وخاصة من ذات الكرسي البطريركي. ناهيك عن الكذب والافتراءات والشتائم وقلة الأخلاق والتعرض للكرامات من نفس الوسيلة الإعلامية. ولماذا لا تتحرك السلطات المعنية والقضاء لاسكات هذه المحطة او على الأقل وقف ترخيصها؟ ألم تمس بالأمن القومي والسلم الأهلي والتعرض للكرامات والإهانات… أم وراء الأكمة ما وراءها؟!
*أكرم ناظم بزي: صحافي وباحث جامعي لبناني. يكتب في الادب والسياسة. عمل في الصحافة اللبنانية والعربية، سيما صحيفتي السفير والاخبار اللبنانيتين وصحيفة القبس الكويتية، ورئس تحرير موقع إنارات ومدير تنفيذي لمجلة أسرتي الكويتية، وهو عضو جمعية الصحافيين الكويتية 2002 وعضو نقابة مخرجي الصحافة اللبنانية.