تاريخ العرب المُقْعَد في المجتمع الرابع: عن الجزائر والإرهاب والتغير الرقمي!
"التاريخ المُقعد" هو العنوان الذي يسبق حبرك وأصابعك فوق الشاشة الرقمية بحثاً عن مستقبل العرب عبر كوارث السنوات العشر المنصرمة. لا يمكنك التعميم لأنّنا لا نعرف بعد الوجهة المحدّدة ولا الهدف الواضح أو التصوّر العاقل لجموح تلك المجتمعات العربيّة المعاصرة نحو التغيير. قد نسمع أصداء هذا العنوان مقيماً في حناجر الطلبة الجزائريين منذ عقدين وأكثر. يصرخون مطالبين بالتغيير. عنوان تجده في السودان وفي العديد من دول العالم الثالث المندثر كما تجده بين يديك وأمام عينيك بحثاً عن قسمات المجتمع الرابع الأخير الجاذب لمجتمعات العالم. يتعثّر منها من يتعثر ويقع منها في برك الدماء من يقع وتتوسّع المساحة العالمية لحلول دين التغيير حتى ولو كان يمستويات الموضة والإستهلاك.
ما أن صرخت الجزائر وفي حنجرتها مليون شهيد حتّى غاص المحلّلون العرب بحثاُ عن فرنسا وأميركا لأنّ التغيير في العقل العربي محفور في الغير أو "الغريب" وأقصد هنا "l’étranger" رواية الكاتب الجزائري ألبير كامو الوجودي والتي ينصح بقراءتها مجدّداً. تلك هي نكبة العرب للتاريخ في الإقرار لمعاني التغيير دون الوقوع في الأعباء الدموية. ثلاثة طرق أمام الجزائر: الإستجابة بإنزال رئيسها المقعد عن الكرسي من دون إبطاء أو اللجوء ثانياً إلى تقديم شخصية هادئة لمرحلة إنتقالية أو زعزعة النظام نحو جزائر ثانية وقد إنضمت جميلة بو حيرد أيقونة الثورة ورمزها إلى المتظاهرين، وأخشى من طريق رابع هو الغرق مجدداً في مستنقع العنف الإسلامي المتنقّل.
وللإطمئنان، لست مسرعاً للدخول في أنفاق مستقبل الجزائر إذ نرى تونس تدخل مملكة الصمت بعدما كان صوتها صادحاً ورائداً في التغيير حتّى إلى المساواة بين الرجل والمرأة. ملّ القاريء العربي من متابعة بقايا الأوراق والتجارب اليابسة والضحايا المنسية والخرائب اللامنتهية وسرقة المعالم والآثارات والنفوس وتهديمها تحت نيران "الربيع العربي" حيث العجز المطبق أو إعادة الإعمار بحضارة "الإستعمار" المعدنية والزجاجية الجاهزة والسهلة التركيب والتفكيك وهندسة المدن وتشييدها شواهد مستوردة للتحديث المنفصل الهويات فوق إندثار القلاع والحصون والمعالم التاريخية التي حطّمتها الحروب وسحقتها يد الإرهاب الغالية التكلفة والتي يغيب أويذوب بقاياها من الزوايا السورية بتدبيرات سحرية مكشوفة.
الغريب أنّ محدودية العقل دفعت إلى البحث عن مستقبل الجزائر في فرنسا وأميركا في إفراغ للداخل. أليس هذا الإنتقال في ربط التغيير بالغير دليلاً جديداً على جمود التاريخ العربي المُقعد والرابض أوالهارب من وظائفه في مقاربة الأزمات التي لا تباغت سوى أهلها متنقّلة من بلدٍ لآخر؟
يمكن التفكير بفرنسا وقد دمغت ذريّة الجزائر بكره يصعب تنظيفه بالمعنى الثقافي، ويمكن التفكير بفرنسا التي أوكلت أمور محاكمة بقايا الإرهابيين من مواطنيها الفرنسيين في المحاكم العراقية قبل عودتهم إلى فرنسا. مسألة معقّدة تورث التشظّي في التفكير الأوروبي بين رافض لعودة الإرهابيين بالمطلق أو داع لنزع جنسياتهم الأوروبية أو تركهم لمصيرهم حيث هم أو إستقبالهم ومحاكمتهم وإعادة تأهيلهم في أوطانهم الأوروبية الأم وقد خرجوا منها للجهاد في بلاد العرب والإسلام وغيرها. طبعاً لأميركا الكلمة الحافلة بالضجيج بعد سحب ما تبقّى من قواّتها في أرض الجهاد. تترك هذه الورثة الإرهابية إعباء داخلية ومزيداً من فكّ اللحام في وحدة أوروبا، تحت وطأة الحملات الصاخبة للجمعيات الإنسانية والمنظمات الدولية إلحاحاً للغفران وإحترام حقوق الإنسان. من يدري؟؟
ينفذ بنا المشهد الجزائري وأحداث مشابهة عربيّة وإسلامية إلأى كشف الأغطية عن الرافضين بالمطلق لأيّ تغيير بإعتباره منزّه عن حبل الداخل وزرعه، بل هو قطعاً من تدبير الغير أعني الخارج المقيم في أرحام المؤآمرات وكي لا ننسى في بلادٍ ليست عصيّة. وكأنّهم لم يدركوا أو يتيقّنوا بعد بأنّ وحدة العرب الخطابية القديمة التي سادت تاريخ جامعة الدول العربية والمنظمات والأخزاب والأنظمة قد آلت إلى القطيعة والإختلافات والإندثار. ونسي معظم المتشبّثين بأزلية الماضي أنّنا مقيمون في دنيا جديدة من الحتميات البسيطة التي تجتاح البشرية والثقافات على وجه الأرض وتزرع في حقولها وعقولها بذور الإطلاع والكشف والجمال والمقارنة والتقليد بمعنى الإقتداء والتجديد والشك والرفض والتغيير وكلّها متداخلة يستحيل التوفيق فيها بين "الثورة" والدولة الدينية أو بين الحكم المُقعد والشمس التي لا تحجب في تسميتنا للعالم الرابع.
يرشدنا شقّ الجفنين فوراً إلى العالم الرابع حيث يركض أبناؤنا في المجتمع الرقمي بعدما تزوّدوا بقدرات وطاقات معلوماتية أخرجتهم من التاريخ المقعد وخرطتهم بالسرعة واللذة المعرفية فوق جادات المعلومات ويلحق بهم أهلوهم حتّى وإن لم يكونوا أصحاب علمٍ أو اختصاص أو كفاءة. أصبحت عدم الكفاءة في المجتمع العالمي الرابع هي الكفاءة الجديدة الشاملة حيث الفرد الخارج من التاريخل. قد لا تعنيه الهوية ولا حتّى معظم المصطلحات التقليدية الدينية والوطنية. حامل هوية مائعة ومتحركة وعالمية تعمّق إغترابه ورفضه لمحيطه خلف الشاشات المغرية حيث يعمل الناس سوياً وتسقط أقنعة الدول والحكام ورجال الدين والأقنعة البشرية الأخرى لحاقاً بالتجديد حتّى ولو كان للتجديد بحثاً وتعلّماً عن التغيير.