أجرى محرر الشؤون الأمنية في ال"بي بي سي" فرانك غاردنر،تقييما شاملا لواقع الدول العربية الخليجية في عهد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ،ورأى أن دولا خليجية أبرزها السعودية خسرت حليفا قويا بهزيمة دونالد ترامب.
كتب غاردنر يقول:
"معذرةً إن بدوتُ مشوّشًا"..
هكذا تكلم السفير السعودي في المملكة المتحدة بينما كانت تزيغ عيناه إلى هاتفه المحمول قائلا: "إنني أتابع النتائج الواردة من ويسكونسن".
كان ذلك قبل ثمانية أيام، حينها كنا لا ندري مَن سيقطن البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني.
وعندما أُعلن جو بايدن فائزا، استغرقت القيادة السعودية وقتا أطول للتهنئة مقارنة بالوقت الذي استغرقته القيادة ذاتها قبل أربعة أعوام لتهنئة ترامب فور إعلان فوزه بالانتخابات.
وليس في الأمر ما يثير الدهشة؛ لقد فقد السعوديون لتوِّهم صديقًا على الطاولة الأهمّ بخسارة ترامب.
وقد تترتب على فوز بايدن آثار واسعة المدى على السعودية ودول الخليج العربية الأخرى.
ويعود تاريخ الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمنطقة إلى عام 1945 ويُتوقع لها البقاء رغم تحديات تلوح في الأفق لا ترتاح لها العواصم الخليجية.
كان الرئيس ترامب حليفا وداعما قويا للأسرة الحاكمة في السعودية. ووقع اختياره على الرياض لتكون أولى محطات جولاته الخارجية بعد تولّي السلطة في 2017.
وكوّن جاريد كوشنر، صِهر ترامب، علاقة قوية مع ولي عهد السعودية القوي محمد بن سلمان.
وعندما اشتبهت أجهزة استخبارات غربية كبرى في ضلوع ولي العهد في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وقف الرئيس ترامب موقف الرفض من توجيه اللوم بشكل مباشر لابن سلمان.
السعودية كانت أولى محطات جولات ترامب الخارجية كرئيس للولايات المتحدة.ولا عجب في ضوء ذلك من قول فريق محمد بن سلمان للناس غداة انكشاف جريمة قتْل خاشقجي: "لا داعي للقلق؛ الوضع تحت السيطرة".
كما تصدى ترامب لأصوات عنيدة داخل الكونغرس كانت تنادي بالحدّ من مبيعات الأسلحة للسعودية.
وعليه، فإن السعودية، وبدرجة أقل منها الإمارات، والبحرين بصدد خسارة حليف رئيسي في البيت الأبيض.
ولن يصيب التغيير العديد من الأمور، لكننا هنا نسلط الضوء على عدد من الأمور التي من المتوقع أن تتغير.
حرب اليمن
اتسم موقف الرئيس السابق باراك أوباما، الذي عمل بايدن نائبا له لثماني سنوات، بعدم الارتياح المتزايد إزاء مسلك السعودية في حربها على الحوثيين في اليمن.
ومع مغادرة أوباما للبيت الأبيض، كانت الحرب الجوية توشك أن تتم عامها الثاني دون تحقيق تقدم عسكري ملحوظ، لكنها في المقابل كانت قد ألحقت دمارا هائلا طال المدنيين والبنية التحتية في اليمن.
السعودية تقود ائتلافا من دول عربية يدعم القوات الموالية للحكومة اليمنية.
واستند الرئيس أوباما إلى افتقار حرب اليمن لتأييد الكونغرس، فقلّص المساعدات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية للسعودية في تلك الحرب.
ثم جاءت إدارة ترامب وانقلبت على قرار سالفتها وأطلقت يد السعوديين في اليمن.
والآن تشير التوقعات إلى تراجُع الموقف الأمريكي مجددا، لا سيما بعد أن أخبر بايدن مجلس العلاقات الخارجية مؤخرا أنه عازم على "وضع نهاية للدعم الأمريكي المقدم للحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن، والتوجيه بإعادة تقييم العلاقات الأمريكية-السعودية".
ومن المتوقع أن تتزايد الضغوط من جانب إدارة بايدن القادمة على السعوديين وحلفائهم اليمنيين لتسوية الصراع المحتدم.
وقد أدرك السعوديون والإماراتيون استحالة الحسم العسكري لهذا الصراع، وباتوا يتطلعون بدلا من ذلك إلى مَخرج يحفظ لهم ماء الوجه ولا يترك الحوثيين في الموقف ذاته الذي كانوا عليه عندما اشتعلت الحرب في مارس/آذار 2015.
إيران
أحد منجزات الرئيس أوباما الكبرى في الشرق الأوسط تتمثّل في إبرام اتفاق إيران النووي الصعب، المسمى باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".
وبموجب هذا الاتفاق رُفعت العقوبات عن كاهل إيران مقابل التزام شديدٍ بقيودٍ على أنشطتها النووية والسماح للتفتيش على تلك المنشآت.
ووصف ترامب اتفاق أوباما بـ "الأسوأ على الإطلاق" وسحب الولايات المتحدة منه. والآن يبدو بايدن متجهًا إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق بشكلٍ ما، وهذا يمثل خبرا صادما للسعوديين.
السعودية اتهمت إيران بشن هجمات باستخدام طائرات مسيرة وقذائف كروز على اثنتين من منشآتها النفطية الكبرى عام 2019 – وهي اتهامات تنفيها طهران
وفي يناير/كانون الثاني الماضي ساد جوّ من الارتياح لدى السعوديين وعدد من حلفائهم لدى إعلان اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني عبر غارة بطائرة مسيرة في العراق.
والآن يساور السعوديون وحلفاؤهم القلق مجددا من أن تتجه الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إبرام اتفاق مع طهران قد يأتي على حساب مصالحهم.
قطر
تستضيف قطر أكبر قواعد البنتاغون وأهمها استراتيجيًا في منطقة الشرق الأوسط – هي قاعدة العُديد الجوية.
ومن هذه القاعدة تدير الولايات المتحدة كل عملياتها في القيادة المركزية بالمنطقة، من سوريا إلى أفغانستان.
ومع ذلك لا تزال قطر تواجه مقاطعةً تستهدف الإضرار بمصالحها من جانب أربع دول عربية هي السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر – والغاضبة جميعها من الدعم السياسي الذي تقدمه الدوحة لحركات الإسلام السياسي كجماعة الإخوان المسلمين.
ترامب دعا أمير قطر، الشيخ تميم آل ثان، إلى البيت الأبيض العام الماضي.وكانت إجراءات المقاطعة قد بدأت غداة زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض عام 2017 والتي حظيت باهتمام إعلامي كبير، واعتقدت الدول المقاطعة بوضوحٍ أنها تحظى بدعم ترامب.
والحق أن ترامب منح المقاطعة دعما علنيًا في بادئ الأمر حتى وضّحوا له أن قطر هي الأخرى حليفٌ للولايات المتحدة وأن العُديد أيضا مهمة لوزارة الدفاع الأمريكية.
ومن المتوقع أن تدفع إدارة الرئيس المنتخب بايدن صوب رأب الصدع الخليجي الذي لا يصبّ استمراره في مصلحة الولايات المتحدة ولا دول الخليج العربية.
حقوق الإنسان
تجرّ دول خليجية عديدة وراءها سجلاتٍ بائسة في مجال حقوق الإنسان.
لكن الرئيس ترامب لم يُظهر كبيرَ اهتمامٍ بانتقاد حلفائه العرب بسبب سجلاتهم الحقوقية.
وكان دفاع ترامب بأن المصالح الاستراتيجية الأمريكية وصفقات الأعمال تتقدم على أي مخاوف بشأن سَجن ناشطات في مجال حقوق الإنسان؛ أو بشأن انتهاكات مزعومة لحقوق العمالة الأجنبية في قطر؛ أو بشأن سفر فريق أمني سعودي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 إلى إسطنبول لتنفيذ عملية مخطَط لها سلفًا لإسكات أبرز معارض سعودي هو جمال خاشقجي والتخلص من جثته للأبد.
ومن غير المتوقع أن تُغمض إدارة الرئيس المنتخب بايدن عينيها على نحو ما انتهجت إدارة ترامب.