الدكتور جواد الهنداوي*
الاختلاف في العادات والتقاليد والموروثات التاريخية والثقافية والاجتماعية بين الشعوب والأمم ،ينتج عنه ايضاً اختلاف في السلوك السياسي للفرد وللمجتمع وللدولة، على صوابٍ مَنْ قال ” الشرق شرق والغرب غرب و لن يلتقيا “. ( قالها الشاعر الإنكليزي روديارد كبلنغ في نهاية القرن التاسع عشر ) .
الصيني، كمواطن و كمجتمع وكدولة يختلف عن الامريكي كمواطن وكمجتمع وكدولة في السلوك المدني والسياسي، ايّ في ممارسة حقوقه المدنية والسياسية. كذلك الحال حين نستشهد بمواطن آخر من الشرق ونقارنه بقرينه، في الخلقْ، من الغرب، من حيث السلوك المدني والسياسي.
بين امريكا واسرائيل مشترك الموروث الاستعماري الاحتلالي: قيامهما دولة و كيان كان على تشريد و تهجير شعوب ، و ينتج عن هذا المشترك تطابق او أوجه شبه في السلوك السياسي.
أين نجد إذاً اوجه الشبه؟
نجده اولاً في نزعة الحروب والفتن والتآمر وعدم احترام الشرعية و القوانين والقرارات الدولية . اغلب الحروب التي عانيناها في العالم و في المنطقة، بعد الحرب العالمية الثانية، مصدرها و اطرافها امريكا واسرائيل. كلاهما لا يقيمان ايّ وزن و اعتبار للشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن والأمم المتحدة.
نجده ايضاً في نزعة الهيمنة، ليس بواسطة الدبلوماسية والنفوذ ، وانما بالسلاح و القوة . ديدن امريكا هو الحفاظ على هيمنتها في العالم، و لا تتردد امريكا في اللجوء الى القوة والحرب غير الشرعية والاعتداء من اجل الحفاظ على هيمنتها ومصالحها التوسعيّة الاستعمارية . كذلك هو مسعى اسرائيل في بسط هيمنتها على المنطقة، منطقة الشرق الاوسط، وتوسعّها جغرافيا وعلى حساب حق وأرض الشعب الفلسطيني وارض الأردن و ارض و مياه لبنان.
أمريكا واسرائيل احدهما مكمّل للآخر في مشاريع تستهدف أمن واستقرار المنطقة والعالم، واستقلال وسيادة الدول: مشروع الشرق الاوسط الكبير ،مشروع احتواء ايران ،حرب اليمن، دعم الإرهاب، الاعتداء على سوريا ولبنان والعراق، مشاريع الاستيطان وتصفية القضية الفلسطينية، التآمر على فنزويلا …
انغماس جبهة الغرب (واقصد بجبهة الغرب لأغراض هذا المقال امريكا وإسرائيل) في شنْ الحروب وممارسة سياسة حصار وتجويع الشعوب، هيّأ الظروف كي يشهد العالم جبهة آسيويّة غير رسمية، حقيقية وليست افتراضية، مؤثّرة و فاعلة على المسرح الدولي ، مختلفة بقيمها عن جبهة الغرب، وتنافسها على الهيمنة وقيادة العالم والمنطقة، الاّ وهي جبهة الصين وإيران: الصين عالمياً وايران أقليمياً.
جبهة تستمد قوتها من موروثها الحضاري وليس من ماضيها الاستعماري الاحتلالي. الصين وإيران دول لشعوب عميقة في تأريخها وراسخة في وجودها، أمتهنت في السياسة الحكمة والصبر الاستراتيجي والتعاون مع الشعوب وليس القوة والاحتلال وحصار وتجويع الشعوب . ما نقوله حقائق ،ليس المراد القذف بامريكا والمديح بالصين، و ذِكرْ بعضها (بعض الحقائق )، وَرَدَ على لسان الرئيس الامريكي الأسبق ،جيمي كارتر، حين كتبَ رسالة الى الرئيس ترامب، في صيف عام ٢٠١٩، يبيّن له فيها اسباب تقدّم الصين على امريكا في مشاريع التنمية والتكنولوجيا المتطورة وشبكة السكك الحديدية، ويسوق له مثالاً عن إنجازات الصين منذ سبعينيات القرن الماضي وعن الحروب التي أوقدتها وخاضتها امريكا في العالم وحجم الإنفاق العسكري خلال تلك الفترة.
استطاعت الصين ان تنافس امريكا و تتقدم عليها اقتصادياً وبنسبة نمو سنوي متفوق باضعاف على النمو الاقتصادي الامريكي، وأصبحَ للصين نفوذاً دولياً من خلال بوابة الاقتصاد والتنمية والتعاون مع الشعوب، على خلاف امريكا، حيث انحسار نفوذها ، والذي كسبته من خلال قوتها الاقتصادية ودولارها وقواعدها العسكرية وتخسره الآن بسبب حروبها وتخليها عن الدبلوماسية ، وفرض العقوبات، وسياسة التهديد والحصار والتجويع.
على خُطى الصين تسير ايران للحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الاوسط بالتنافس وبالمواجهة مع اسرائيل، ولكن ليس عن طريق الصبر الاستراتيجي والنمو الاقتصادي (كالصين ) وانما عن طريق الصبر الاستراتيجي و المقاومة: مقاومة الحصار والعقوبات والتهديدات والتدخلات والاغتيالات والإرهاب في المنطقة.
مشروع الصين العملاق والمعروف باسم مشروع ” الحزام والطريق ” والمزمع انجازه على انقاض طريق الحرير الصيني القديم، سيتخذُ من أيران المركز والممر الأساسي للطريق العالمي في منطقة الشرق الاوسط ومنطقة غرب آسيا في النقل والطاقة، الامر الذي يدعم ويرّسخ نفوذ ايران في المنطقة ويعزز الجبهة الآسيوية بدولها المتعددة والمؤثرة عالمياً بقوتها الاقتصادية كالهند أو بقوتها العسكرية كروسيا. المشروع سيكون على حساب مصلحة امريكا وعلى حساب مصلحة حلفاء امريكا في المنطقة واقصد اسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.
اتمام إنجاز هذا المشروع وبموازاة النمو الاقتصادي السنوي الصيني، والتطور التقني العسكري والتكنلوجي الإيراني، والحضور السياسي والعسكري الروسي في المنطقة والعالم، كذلك نجاح منظمة شنغهاي للتعاون ودورها السياسي والاقتصادي ( منظمة تضّمُ الصين وروسيا و الهند وباكستان ودول آسيوية أخرى وايران كمراقب )، جميعها عوامل تعجّل خسارة جبهة الغرب ( امريكا واسرائيل ) اسباب الهيمنة على العالم وعلى المنطقة.
اختتمُ المقال بفرض سؤال: هل تصمدْ وتصمتْ امريكا وحلفاؤها ازاء المسار السريع والصاعد للجبهة الآسيوية في امتلاك زمام قيادة العالم؟
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي -الاوروبي للسياسات وتعزيز القدرات -بروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى