كتب محمد هاني شقير
تسنى لي أمس متابعة حلقة برنامج”صار الوقت” التلفزيوني، التي استضافت رئيس حزب الكتائب سامي الجميل.
اللافت للانتباه أن متابعة خطاب سامي الجميل بدقة وتمعن، تسعفك في فهم الشخصية التي تظهر أمامك وما تختزن من قيم وتحمل من أفكار سياسية تتفق معها في بعضها وتختلف في البعض الأخر.
في الشكل يعتمد سامي الجميل لغة شعبية شبابية محببة يستطيع من خلالها تقديم خطاب سلس وسهل ممتنع، يأسر قلوب كثيرين من متابعيه ويميلهم نحوه من خلال استخدام لغة سياسية بسيطة وغير معقدة.
قدم الجميل مجموعة من الطروحات التي توجب الثناء. فأن يطرح حزب الكتائب قضية تتعلق بالمال العام، مدخرات اللبنانيين في المصارف، ويصرّ على أن الـ ” هيركات” أصاب المودعين الصغار فقط الذين يتحصلون على دولاراتهم بواقع 3900 ل. ل. للدولار الواحد، أي بما يوازي ثلاثين بالمئة من سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ويدعو الى عدالة في توزيع الخسائر بين جميع المودعين، انما هو موقف كتائبي لافت ومميز. ويشير ايضاً الى قضية اعادة هيكلة القطاع المصرفي المتعثر، وضرورة سن قانون “كابيتال كونترول” لمنع تهريب الأموال الذي اقتصر على المحظيين فقط الذين هربوا أموالهم بينما جرى حجز أموال تسعين بالمئة من الشعب اللبناني في المصارف وجعل سحبها بالقطارة.
لقد طرح سامي الجميل مجموعة من الأفكار المميزة التي يرحب بها لبنانيون كثر يختلفون معه ي السياسة.غير أن مسألتين رئيستين يمكن التوقف عندهما مع رئيس حزب الكتائب، وهما، أي قانون انتخاب يريد حزب الكتائب، بواسطته، تأمين خروج سياسي آمن للبنان من أزمته، وهو الذي يصرّ في هذا السياق، على التعمية وعدم الوضوح، بل لنقل وضوحا كاملا لديه، حيث يمرر فكرة اجراء الانتخابات وفاقًا للقانون المذهبي الذي جرت بموجبه آخر انتخابات!
وهنا ليسمح لنا الشيخ سامي، إذ أن اشراك الشباب الذين خاطبهم بشيء من العاطفة، يقوم على مبدأين:
_ اقرار قانون انتخاب وطني عصري غير طائفي.
_ تخفيض سن الاقتراع ليشمل من هم فوق الـ 18 سنة.
أفليس هؤلاء هم من كانوا، وما زالوا، ديدن وعصب الانتفاضة؟ كيف تقبل أن تشاركهم الانتفاضة وفعالياتها وتمنعهم من ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم الى الندوة البرلمانية؟!
هنا يتضح جليًا مدى التمييع الذي يريد من خلاله سامي الجميل الوصول الى تحصيل بضعة نواب جدد يضيفهم الى كتلته بعد أن ينتشهم من كتلة التيار الوطني الحر. ولكن ماذا بعد؟ ستذهب، إن حصلت على الأغلبية المسيحية، وهذا همّك مع الأسف، الى بيت الكتائب في الصيفي وستمد يدك لشريكك المذهبي الآخر وتقول له فلنتعاون في بناء الوطن! أي أنك ستعود وتنتظم في ذات المنظومة التي تحكم وتتحكم بلبنان وشعبه.
أما السقطة التي وقع فيها سامي الجميل فكانت بمثابة الضربة التي طيّرت كل ما سبق وطرحه عن المنظومة الفاسدة. ففي نهاية الحلقة وجهت صبية حريرية سؤالاً ذكيًا للجميل فقالت بما معناه: استقال سعد الحريري وانضم للثورة لأنه لم يعد يستطيع العمل مع المنظومة (لاحظوا من يتحدث عن المنظومة) ووجهت كلامها للجميل بكثير من الإعجاب بخطابه وصدقه ودعته لوضع يده بيد سعد الحريري للنهوض بالبلد. فكان جواب سامي الجميل، كعادته هنا، متعاطفًا مع الصبية الحريرية ومع سعد الحريري ذاته، حيث قال لها انه، اي الحريري، لا يمكن ان ينجح في العمل مع المنظومة، محيدًا الحريري عنها، ومعتبرًا إياه من السياسيين الذين يريدون اصلاح الوطن، ولكن هناك من يمنعه من تحقيق اهدافه! أي بمعنى آخر تبين للشيخ سامي أن سعد الحريري من السياسيين الذين ينطبق عليهم شعار ” ما خلوني اشتغل”.
تستطيع شيخ سامي، أن تدخل قلوب كثيرين وهذا أمر جيد، ولكن عليك أن تطرق العقول بخطاب غير متذبذب وواضح المرامي والأهداف. وأي خطاب يبقى تحت الدعوة الى تغيير قانون الانتخاب وعصرنته، ويحابي هذا وذاك لكسب ود هذا أو ذاك، هو خطاب شعبوي لا يسمن ولا يغني من جوع.
زر الذهاب إلى الأعلى