رأي

بين الإستسلام والنهوض من جديد !(نسيب حطيط)

 

د.نسيب حطيط – الحوارنيوز

 تعيش المنطقة وشعوبها وأحزابها وأنظمتها، حالة الإنهزام والإستسلام، وتنقسم بين أغلبية تصفّق فرحاً،لأن المشروع الأميركي-الإسرائيلي قد أنتصر وأنهم أصبحوا في منطقة الأمان والسيطرة ،مقابل قلّة تعيش الحزن والحسرة وبعض الخيبة، بعدما تعرّضت لضربات قاسية، نتيجة عدم تكافؤ القوى من جهة وبسبب خلل في إدارة الحرب وسوء التنسيق والمبالغة في القدرات وكثافة الإختراق المعادي والتفوق التكنولوجي للعدو!

المشكلة ،أن المؤيدين للمشروع الأميركي يتصرفون وكأن الحرب قد أنتهت وأستقرّت الأوضاع لهم ويتصرفون من موقع إعطاء الأوامر وتوزيع الأدوار وإلغاء الآخرين، في ظل نشوة الانتصار النهائي الموهوم والإعتقاد بأن لا قيامة لخصومهم بعد الآن، إلا من موقع الشفقة والإحتضان المشروط، بعدم المعارضة وإعلان الندم والتوبة، وبعدم حمل السلاح ثانية. وتتكامل هذه النشوة بالنصر مع غدر أغلب الإنتهازيين والوصوليين وأصحاب المصلحة الذين احتضنهم المشروع المقاوم “خطأ” ،لأنهم  يجيدون “المديح” والتزلّف ،فسارعوا للقفز من المركب والإلتحاق بالمشروع الأميركي، لحفظ مصالحهم والنجاة من العقاب، نتيجة تأييدهم المزّيف والتجاري للمشروع المقاوم ،ما جعل أهل المقاومة قلّة مُحاصرة ومنبوذة، تنتظر الهجوم الأخير.

ويسأل أهل المقاومة :هل أن الحرب قد أنتهت؟

هل انهزمنا وعلينا إعلان الإستسلام؟

هل يمكن النهوض ثانية…أم أن ذلك إنتحار؟

  يطرح أهل المقاومة هذه الأسئلة من موقع الثبات وعدم التسليم بالأمر الواقع او الإستسلام او الإنهزام، بل من باب التفتيش عن الوسائل التي تحفظ المشروع المقاوم لإعادة الإنطلاق ثانية، لأنه لا يمكن بالمعطى العقائدي او الأخلاقي التنازل عن كل الإنجازات وضياع المستقبل، بالرغم من الأثمان التي تم دفعها او التي سيتم دفعها ثانية!

لا شك أن المشروع الأميركي قد حقّق نجاحات و إنتصارات موضعية على المستوى العسكري والجغرافي والنفسي، تجاوزت كل النجاحات التي حقّقها منذ العدوان الثلاثي  على مصر عام  1956 او عاصفة الخليج او غزو العراق 2003 او القوات المتعددة الجنسيات عام 82 .ولا شك ايضاً أن المشروع المقاوم ، يعيش أخطر لحظاته ،سواء على مستوى العدد أو التفكك مع غياب عام للشعوب العربية، ما عدا إنجابها لإمداد الجماعات التكفيرية بالأبناء لذبح (الأمة-الأم)!

لكن لم تنته الحرب بعد، ولم ينتصر التحالف الأميركي-الإسرائيلي بالشكل المطلق، ولم يتم تثبيت الوقائع بعد وما يزال الأمر مبكراً، لإعلان الانتصار الأميركي وهزيمة المشروع المقاوم وهذا ما يعترف به الأميركيون.. وإلا لأعلنوا وقف الحرب!

المقاومة في لبنان لم تنته بعد مع كل الضربات التي تلقتها ،وهي ما زالت تمتلك عناصر القوة، واذا أحسنت إدارة الحرب القادمة بعد مراجعة ثغراتها وأخطائها وعملت بواقعية وعقلانية ،بالتلازم مع تغيير وتعديل الوسائل والسلوكيات والمهام، وفي مقدمتها العودة الى العمل “التطوعي” وحرب العصابات المتطوّرة ومغادرة منهج تقليد الجيوش الكلاسيكية، فإنها قادرة على إستعادة المبادرة، كما استعادتها المقاومة الشعبية المسلحة عام 1982 بعدما استطاعت توجيه ثلاث ضربات إستراتيجية كبرى، من تفجير مقر الحاكم العسكري في صور الى تفجير المارينز  ومقر المظليين الفرنسيين، والذي أصاب المشروع الأميركي-الإسرائيلي في الرأس، وأعطى جرعات معنوية للمشروع المقاوم، ويمكن تكرار التجربة ثانية، ولا تخافوا او تحزنوا، إذا غامر الإحتلال وبقي في تلال جديدة في الاراضي اللبنانية ،فربّ ضارّة نافعة!

أما في سوريا، فمن المبكر أيضاً، التسليم بأن سوريا قد سقطت، خاصة إذا استمرت جبهة “النصرة” على نهجها وسلوكياتها ،بالقتل والخطف وطرد الموظفين ومصادرة الأملاك وتأميم المؤسسات والفرز الطائفي ،بالتلازم مع عدم وحدة الموقف داخل الفصائل المسلحة المتعدّدة الإنتماءات والقيادات، ونتيجة لتصادم المصالح بين الأتراك والعرب من جهة، وبين العرب القطريين والسعوديين من جهة أخرى ،إضافة الى عدم إستسلام إيران للأمر ،وللتذكير فقد سيطرت “داعش” على العراق وأعلنت الخلافة فيها وتم هزيمتها وإسقاطها خلال عام، ويمكن أن يحدث الأمر نفسه في سوريا وفي اسوأ الحالات تعدّد السلطات والإمارات والأقاليم .  

لم تنته الحرب… ولم تنته المقاومة وعلينا تأخير اصدار النتائج والعمل على تغيير الواقع، بعقلانية ودون إنفعال، وستكون النتائج الأخيرة، لهذه الحرب لصالح المقاومة وأهلها .

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى