بقلم حيدر شومان – خاص الحوار نيوز
لا شك أن كل ما في هذا البلد عجيب غريب، في السياسة والاقتصاد والاجتماع وحتى في الدين وشجونه المختلفة… فلئن يرتفع الدولار إلى ثلاثة وثلاثين ألف ليرة ولا تجد أحداً من رجالات ميادين المعارضة إلا البعض همساً وخجلاً لهو أمر غريب، ثم يعود وينخفض عشرة آلاف ليرة فجأة لاعتبارات في السياسة الداخلية والخارجية لهو أمر غريب أيضاً…
ولئن يتوقف العمل في مجلس الوزراء أشهراً طويلة، بغض النظر عن المبررات، وفي أوضاع أقل ما يقال عنها إنها استثنائية، ثم يعاد تفعيله فجأة، وبغض النظر عن المبررات أيضاً، دون سبب واضح ومحدد لهو أمر غريب أيضاً…
ولئن يُحتجز رئيس وزراء لبناني في دولة عربية شقيقة ويُعامل بمذلة ومهانة ويعلن قسراً استقالته، ثم يعود عنها بعد بعض المحاذير في الداخل والخارج، ثم يعلن بعد أقل من خمس سنوات تعليقه أو اعتزاله العمل السياسي، وهو رئيس تيار وازن في ميادين السياسة اللبنانية المعقدة، لهو أمر غريب لا يحدث إلا في لبنان فقط…
ولبنان الذي يعاني في كل مجالات الحياة المتنوعة، وينتظر الفرج المادي والمعنوي من القريب والبعيد، تأتيه في هذا الوقت بالذات مبادرة عربية خليجية تختزن في طياتها كل التناقضات السياسية التي كانت لسنوات طويلة ولمّا تزل مثار جدل وبحث ،ثم تعليق بسبب عدم المقدرة على تفكيك مخاطرها الداخلية بانتظارحل يأتي من خلال حوارات ونقاشات بين الأقطاب اللبنانية، فكان أن جاءت هذه المبادرة فارضة بنودها على لبنان للقبول بها في أيام قليلة وإلا فليتحمل التبعات الحالية وما سيتبعها من تبعات أشد وأقسى في المستقبل المنظور.
ولا يمكننا فصل هذه المبادرة التي تتضمن تهديداً ووعيداً واضحين صريحين، عن تعليق الرئيس الحريري عمله السياسي، فالرجل الذي أعلن أنه استطاع حماية لبنان من حرب أهلية (ونحن نصدق إعلانه) برفضه الوقوف ضد حزب الله (العلة الأساس لأصل هذه المبادرة) ومقارعته فيما مضى لعدم واقعية الطرح وتنفيذه، نراه اليوم يرفض مجدداً هذا الطريق الذي يُراد تعبيده بالدم. وقد يُلام الرئيس الحريري على سكوته الأول سنة 2017 عند احتجازه واستقالته، كما يُلام على سكوته مرة أخرى وعدم بقّ البحصة في كلتا المناسبتين… لكننا لم نعتد، وخصوصاً في لبنان، أن في السياسة أعمالاً تتطلب التضحية والبطولة، مع عدم غض النظر عن أن تهديداً ما قد يطال حياته وعائلته وما نبقى من الثروة التي ضاعت في مهب رياح السياسة اللبنانية…
والغريب أن الدول الصديقة للبنان لم تبدِ أي اعتراض أو انزعاج من طريقة نزع زعيم كبير (وتياره المؤثر) من السياسة وتقوقعه خارج بلده وأهله وبعيداً عن الشأن العام في وطنه.
وبين إخراج الرئيس الحريري القهري والمبادرة الخليجية التهديدية يقف لبنان الغارق أصلاً في وحول المعاناة، والواقع في خضم المصائب، والضعف الذي ينتابه في كل المجالات، في حيرة يكتنفها الكثير من الارتباك، فهو لا يعلن رفضه الرسمي للمبادرة مع علمه اليقيني أنه عاجز عن تطبيق أهم بنودها كما تؤكد سنوات بعيدة وقريبة صحة ذلك. كما أن لبنان الرسمي لا يمكنه رفض المبادرة لكيلا يضع السكين العربي العام فوق رقبته. ويقال إن الحل سوف يكون من خلال المراوغة في عدم رفضها دون قبولها وذلك من خلال التلاعب بالألفاظ والمواقف وكل ذلك لن يشفع له، لأن هناك من يترقبه عند أي مفترق طرق تظهر عندها أي من الزلات ليُغرق ساحته بالأزمات والحروب…
إن عدم واقعية بنود هذه المبادرة واستحالة تطبيق أكثرها يؤكد أن من وضعها يريد إسقاط لبنان الذي لم يقف قوياً ضد قوة حزب الله، لتغيير معادلات طالما بقيت توافقية بالإجمال، وإرساء ما سوف يكون أداة بيد الجلاد الخارجي يستخدمها لشن الحروب وزرع الفتن وتجويع المواطنين، والعذر دوماً الهيمنة الإيرانية وحليفه الداخلي الذي يزداد قوة في كل يوم، ولا شك يصبح رادعاً قوياً للاحتلال الصهيوني والتآمر الدولي على أمن لبنان وحدوده وثرواته الطبيعية، وعلى هذا الحليف أن يسقط لتعود قوة لبنان في ضعفه…
زر الذهاب إلى الأعلى