بين أربعينيّة الحسين وأربعينّية العراق: أي دور للسّنة والكُرد ؟ (جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – خاص الحوار نيوز
ليست سوى أيام تفصلنا عن الحدثّين، وساحتهما العراق، حيث تتوافد الملايين الى كربلاء، ومن كل بقاع العالم، لأحياء أربعينيّة أبا الشهداء الامام الحسين بن علي، سبط الرسول صلى الله عليه وسلّمْ. وفي ذات الوقت تحتدمُ الخلافات وتتفاقم قساوة التصريحات المتبادلة بين التيار الصدري والاطار التنسيقي، ويتهيأ الطرفان (التيار والاطار) لمنازلة جديدة لإحياء، ليس اربعينيّة الامام الحسين ع، وانما اربعينيّة الوطن العراق.
كلا الطرفيّن ينتظر مرور اربعينّية الامام لبدء المنازلة وحسم الموقف؛ الاطار يعوّل على أمل العودة الى الحوار والدستور وما صدرّ من القضاء من قرارات، ويعلن من الآن تمسّكه بمرشّحه لرئاسة الوزراء، محمد شياع السوداني، و التيار الصدري يعوّل على الشارع وجمهورهِ، ويعلن تمسّكه بمطالبته بحل البرلمان، ويهيئ لتظاهرات أخرى بعد اربعينيّة الامام.
أزاء أزمة المكّون الشيعي ( الاطار والتيار )، والتي هي أزمة للشعب وللدولة، ما هو دور المكوّنات الاخرى (المكون السني والمكون الكردي) ، شركاء الوطن؟
لم تخفْ الاوساط والمكونات السياسيّة تخوفها من تدحرج الوضع السياسي نحو مشهد عنف واقتتال، و اعرب المكونان عن رفضهما لحل البرلمان، وتمسكهما بما يفرضه الدستور لحل الازمة، وأملهما في آليات الحوار والتفاهم لحل الازمة.
جاء موقفهما هذا رّداً على تغريدة السيد مقتدى الصدر، والذي دعاهما الى مساندة مطلبه بحل البرلمان.
نعتقد بضرورة تكثيف جهود الاخوة السنّة والكرد تجاه طرفي الازمة، وان يكون دورهما ميدانيا يتمثّل بتكرار اللقاءات مع طرفي الازمة، للوصول الى مقترح وسط يرضي الطرفيّن، وان تكون بوصلة الحل هي مصلحة الشعب و مصلحة الدولة.
انّ حّل الازمة داخلياً، ودون الاعتماد على الامم المتحدة او على دولة اخرى، له دلالات سياسيّة واعتبارية مهمة للعراق وللنظام السياسي و لسمعة الطبقة السياسيّة؛ سيدّلُ اولاً على نضجْ سياسي وقدرة على احتواء و ادارة الازمة. ويدّلُ ثانياً على دور ايجابي لشركاء الوطن، وسيعزّز وطنيّة الشراكة ، ويبدّد “نفعيّتها”. نجاح دور المكوّنين السني والكردي في حّلْ الازمة سيرفد المسيرة السياسيّة بتجربة مهمّة على طريق تعزيز الثقة بين شركاء الوطن.
على قيادات المكوّن السني والمكوّن الكردي ان يجعلوا من ازمة شريكهم فرصة لهم في تحقيق نجاح، ويبرهنا للشعب وللعالم على انّ ابناء العراق قادرين على ادارة ازماتهم وحّل مشاكلهم .
الايام المعدودة ، والتي تفصلنا عن تاريخ نهاية الزيارة الاربعينيّة، هو الوقت المتبقي لأصحاب الشأن في بدء جهود الوساطة تجاه السيد مقتدى الصدر وتجاه قادة الاطار، باستطاعتهما (واقصد المكوّن السني والمكون الكردي) ان يحولا دون الوصول الى حالة التظاهرات والاشتباكات، اي الى حالة الاستعانة بالشارع!
لا أحد سينتفع من حالة تحريض الشارع والاعتماد عليه، ولن يأتِ الحّل من الشارع ، و لا من ايران او من امريكا او من دولة اخرى .
لا نظّنُ بعدم معرفة السيد مقتدى الصدر بتداعيات استمرار الازمة على الشعب وعلى الدولة، وهو الذي يُغّرد، من اجل مصلحة الشعب و الدولة .
إنَّ الاصلاح والقضاء على الفساد وتحقيق التنمية و الاستقلال و السيادة هي اهداف استراتيجية، ولا يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها ،انها اهداف تتطلب ارادة ، ومحاولات ووقت، وتفاهمات وتعزيز ثقة بين الشركاء السياسيين وبينهم وبين الشعب .
التهديد والعنف وتعطيل الدولة و الموازنة ليست ادوات تصنع الحّل ، وانما تروّج للكراهية وتقود الى الخراب والتدهور .
لا أظّنُ بعدم ادراك النخبة السياسية والقادة السياسيين للوضع السياسي والاقتصادي الصعب ،الذي يعيشه ويواجهه العالم ، والذي له انعكاسات على الوضع الامني و السياسي والمعاشي في العراق ، المرحلة ليست زمن العناد والتحدي و العنف ضد الدولة ، وانما زمن العقل والتروي والعمل لحماية الدولة ،من اجل اصلاحها . فكيف نصلح دولة ونحن نساهم في تعطيل عمل مؤسساتها وفي ترويع شعبها ، وجعله اسيراً بين هذا وذاك؟
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل