بيروت تنتصر للراحل فتحي شاتيلا: نرفض فساد مشروع سد بسري على حساب صحة أبناء بيروت
حكمت عبيد -خاص
… وأخيرا بدأت بيروت تنتصر لقضاياها، بعيدا عن السياسة وعن الفساد.
تنتصر لأبنائها المقيمين ولصحة ابنائها في المستقبل.
بيروت انتصرت لرؤية الدكتور الجيولوجي فتحي شاتيلا ابن المدينة الذي بقي حتى النفس الأخير يدافع عن بيروت وصحة أهلها ويحارب مع نفر قليل من "الأوادم" الفساد في مشروع سد بسري الذي يرتقي إلى مستوى الجريمة الوطنية.
خاطب الحكومات عبثا، خاطب الرؤساء، النواب، وبلغ بتفنيد مخاطر المشروع وما ينطوي عليه من فساد بيّن المؤسسات الدولية المانحة والبنك الدولي عبثا.
لا يسمعون ولا يقرأون، هم لا يريدون ومتواطئون بشكل أو بآخر.
إنه الإمتحان الأصعب أمام نواب بيروت ليقولوا كلمة حق، غير ملوثة بالسياسة ومصالح بعض الشركات النافذة.
"لا لحفر المزيد من الابار بل لنسعى إلى تفعيل سد الدامور الطبيعي و الذي لا يؤذي البيئة ولا يستدعي قطع ألأشجار ولا يقوم بتغيير جذري بالمنطقة المحيطة، به كما يفعل مشروع سد بسري". انها خلاصة موقف الشرفاء الذي يواجه اليوم إصرارا غير مفهوم من قبل الحكومة الحالية على الإستمرار بالمشروع.
كلام وزير الطاقة والمياه ريمون غجر عن استثمارات دفعت وأجزاء من المشروع نفذت، هو كلام حق يراد به باطل، وعليه يقول العقلاء من أبناء بيروت، إن القضية ليست مالية صرف، بل صحية وبيئية وهما أهم من المال، فكيف إذا كانت نصف المال او ربعه ذاهب إلى جيوب المنتفعين؟
ويضيف هؤلاء للوزير غجر: نصف خسارة أفضل من خسارة كاملة.. أوقفوا مشروع بسري وأرحموا لبنان وخزينته وأرحموا أبناء القرى المحيطة بسد بسري وأبناء بيروت.
رفضا للمشروع كتب مخاتير بيروت عريضة يتم توقيعها وجاء فيها: نحن الموقّعين أدناه مخاتير مدينة بيروت الكبرى
نعلن رفضنا لاستجرار مياه من سد بسري للاسباب الموجبة التالية:
1- ان تصريف نهر بسري الوسطي 70 م٣ ،لن يوفر سنويا لصالح البحيرة اكثر من ١٥ مليون م٣ .و هذا معناه ان تجميع ال125 مليون م٣ من نهر بسري يحتاج لحوالي 10 سنوات. و 10 سنوات للانتهاء من المشروع .فلا مياه منه بأحسن الاحوال قبل 20 سنة و هذا يؤكد فشل هذا الحل .و تؤكد تقارير الخبراء على عدم ملائمة الارضية لتجميع اي مياه على سطحها ( دراسات البعثة الفرنسية و ابار فحص الارضية عبر الundp و خبراء هيدروجيولوجيين لبنانيين .)
2-و هذا يعني تأمين النقص من مياه الليطاني الملوثة بالسيانو بكتيريا و الصرف الصحي و مخلفات المصانع و المبيدات .و جلب الامراض القاتلة و السرطانية لاهالي المناطق المستفيدة من السد .
3- ان محطة تكرير الوردانية غير مؤهلة لتكرير هكذا مياه ( تقرير د.كمال سليم و تصريح د.سامي علوية ) .
4-إن هذا المشروع نعتبره جريمة بحق تلك المنطقة و الوطن عبر تدميره لمساحات زراعية واسعة و قطع اكثر من 600 الف شجرة معمرة ،و طمر اكثر من 50 موقع اثري ، و القضاء على تنوع بيولوجي و بيئي .الى جانب مخالفته لeyrocode الذي يمنع اقامة منشأت كبرى ،كالسدود بالقرب من فوالق زلزالية نشطة بموجب نشرات المراصد اللبنانية المعتمدة .
5-تطبيق توصيات معهد الدراسات الالماني (bgr )
لاسترداد الهدر البالغ 130 م٣ من نبع جعيتا .الذي لا يكلف اكثر من 10 مليون $
و الاعتماد على الابار الجوفية المتوفرة حول بيروت في المرتفعات من الديشونية وادي شحرور الى مرتفعات خلدة و الدامور .
+ مجموعة ابار مدروسة في بسري الذي تتوفر فيه المياه على اعماق ال120 الى 150 متر .
إن هذه البدائل و الغاء هذا المشروع الفاشل يوفر على الخزينة المتهالكة اكثر من 650 مليون$ حاليا .تضاف اليها الفوائد و بدون طائل .
لكل هذه الاسباب نعلن رفضنا لهذا المشروع اللاعلمي و الذي لا يتلاءم مع طبيعة جبال لبنان الكارستية المتشققة و لنا في السدود الاخرى المنشأة او قيد الانشاء اكبر حجة و دليل على صحة موقفنا .
كما صدر عن مجلس بيروت في المؤتمر الشعبي اللبناني بيان شامل جاء فيه:
على الرغم من تأييدنا لعدّة قرارات، وإجرءات، وتدابير، حكوميّة، اتخذتها حكومة الرئيس حسان دياب، بعد تشخيص دقيق وسليم، بهدف معالجة التركة الثقيلة على مدى ثلاثين عاما من الإقتصاد الريعي القائم على: الفساد، والنهب، والهدر، والمديونية، والخسائر، وايضا على: المحاصصة الطائفية، والمذهبية، والمالية، والمصرفية.
على الرغم من كل ذلك، فإن قرار الحكومة في جلستها المنعقدة بحضور رئيس الجمهورية، مطلع نيسان الجاري، ب:"الاستمرار بمشروع سد بسري نظرًا لأهميته الاستراتيجيّة في تأمين المياه لمنطقة بيروت الكبرى" وقرارها ايضا ب "تشكيل لجنة من وزارات الطاقة، والمياه، والبيئة، والداخلية والبلديات، والزراعة، والثقافة، ومجلس الإنماء والإعمار، لتواكب تطور الأعمال في المشروع، والتحقق من مدى انسجامها مع شروط البيئة والتعويض الإيكولوجي" يذهب في غير الإتجاه الصحيح الذي اعتمدته الحكومة في قرارات أخرى.
ان "المجلس"، يعيد تأكيد موقفه الرافض لمشروع سد بسري، وهو موقف منسجم مع موقف اهالي وسكان بيروت، وغالبية الشعب اللبناني، ومتلائم مع موقف أحرار انتفاضة 17 تشرين. فضلا عن مواقف، وآراء خبراء جيولوجيين، وبيئيّين، لهم مكانتهم، وصدقيتهم.
ان موقف المؤتمر ينطلق من الأسباب التالية:
1- خطر التسمم:إذ يقضي مشروع سد بسري، باستجرار 50 مليون م3 من اصل 125 مليون م3 من بحيرة الليطاني، لتختلط مع مياه نهر بسري في الوردانية. ومن المعلوم ان مياه بحيرة الليطاني مسرطنة ب"السيانو بكتيريا"، ويذهب ضحيتها، سكان محيط القرعون، وبلدة برالياس، بشكل خاص، حيث يفوق معدل ضحايا السرطان في هذه البلدة 4 أضعاف المعدل الوطني.
2- الخطر الزلزالي: إذ يؤكد خبراء الجيولوجيا، أن سد بسري يقع على فالق زلزالي، حيث حدث زلزال عام 1956 بقوة 5,8 درجات، وزلزال عام 1837 بقوة 7,1 درجة. إن كميّة الأمطار، ووزنها الثقيل على مساحة صغيرة، وضغوطاتها، بالإضافة الى تسرّبها داخل الصخور، سوف يحرك هذا الفالق، ويؤدي الى كوارث بشريّة، وطبيعية، ومادية، نحن بغنى عنها. كما ان فالق بسري يتصل بفالق بلدة روم الجزينيّة، المتصل بدوره بفالق في فلسطين المحتلة.
3- غياب دراسة الاثر البيئي: فقد بوشر العمل بمشروع سد بسري في العام 2019 من دون وجود دراسة الأثر البيئي، التي أعدّت في العام 2014 ، وانتهت صلاحيتها في العام 2016
4- الكلفة الماليّة المرتفعة للمشروع بالمقارنة مع جدواه المنخفضة، ومخاطره العالية، وبالإستناد الى مشاريع سدود أخرى، نُفذّت سابقا، وعلى سبيل المثال: سد بلعة، فقد قُدّرت كلفته ب 8 مليون دولار، لكن بعد التنفيذ بلغت 70 مليون دولار، اي حوالي تسعة أضعاف المبلغ المُقدّر. وكذلك سد بريصا، اذ ارتفعت كلفته التقديرية من 10 مليون دولار، الى اكثر من 30 مليون دولار عند التنفيذ. بناء عليه فمن المتوقع ان تتضاعف الكلفة التقديرية لسد بسري، لتتجاوز ملياري دولار، بغياب المحاسبة والمساءلة عن مشاريع الطاقة، كما حدث مع الكهرباء، التي كبّدت الخزينة نحو 40 مليار دولار. ومن المعروف ان تقارير مجلس الإنماء والإعمار، وتقارير البنك الدولي، يُمكن توجيهها، وفقًا لأهداف وغايات واضعيها، ونذّكر، أخيرًا، ان لبنان يحتل المرتبة 137 على مؤشر مدركات الفساد في العالم.
5- كمية المياه غير كافية: فالهدف المعلن من المشروع هو استجرار 125 مليون م3 بالسنة الى بيروت، لكن بالعودة الى إحصاءات مصلحة الليطاني، فإن كميّة المياه في مجرى بسري، تراوحت في السنوات الأخيرة بين 25 و40 مليون م3 ، ولم تلامس ال 70 مليون م3 المرجوّة.
– 6- مخاطر المشروع على البيئة: تدمير اراض زراعية، وحرجية، تبلغ مساحتها 6 مليون م2
-7 التخلي عن فكرة بناء السدود في العالم و عدم نجاحها في لبنان: فقد اعلنت "اللجنة العالمية للسدود الكبيرة" ان كلفة السدود الكبرى مرتفعة، بالمقارنة مع جدواها المنخفضة، وقدّرت التكاليف الاضافيّة ب 56% من كلفة كل سد. لذلك تم التخلّي عن سياسة بناء السدود الكبرى، وهدْم عدد منها، في دول متطورة مثل: هولندا، والدانمارك، واسبانيا، والولايات المتحدة، على غرار ما يفعلون بمحارق النفايات.
من جهة ثانية: فإن تجربة لبنان مع السدود غير ناجحة، اذ ان غالبية السدود شابها عيوب بالتنفيذ، ولم تحقق الأهداف التي شُيّدت من اجلها، وأبرزها السدود التالية: جنّة، بلعا، بقعاتا، بريح، القيسماني، المسيلحة.
8- توقيت المشروع غير ملائم: في زمن الانكماش الإقتصادي، والفقر المتزايد، خاصة ما يترتب عليه من استدانة كبيرة في غير وقتها. من هنا فان البعض يشتّم رائحة تدخل سافر من البنك الدولي، الذي يحاول ان يتجاوز دوره التمويلي، لهذا المشروع الضار بالبيئة، الى المشاركة في التخطيط الإقتصادي واشتراطه تنفيذ هذا المشروع لمنح قروض اخرى للدولة اللبنانية.
9- ومن المفيد هنا الإشارة الى رأي الخبير، في الجغرافيا الاستراتيجية، الدكتور نبيل خليفة الذي يرى في اصرار البنك الدولي، على تنفيذ مشروع سد بسري، ابعادًا "جيو- سياسية" مرتبطة بالاستراتيجية المائية لدول الشرق الاوسط، وفي طليعتها "اسرائيل" واحتياجاتها. فبيروت لا يجب أن تروى من مياه نهر ابراهيم البالغ رصيدها 508 مليون م3 والمعروفة بجودتها وموقعها الجبلي، لأنه " لدى حدوث ازمة مائية حادة في اسرائيل سيعمل على نقل مياه نهر ابراهيم بواسطة ناقلات بحرية من مصبها في المتوسط وبيعها الى اسرائيل" ، كما ذكرت ذلك الباحثة الفرنسية "اليزابيت بيكار"
بناء على ما تقدم نطالب الحكومة، ومن موقع الحرص على نجاحها في مهمتها الانقاذية، بما يلي:
أ- تجميد العمل بمشروع سد بسري، واطلاق ورشة نقاش علمي، بيئي، واجتماعي، هدفها الاتفاق على بديل عن هذا المشروع. يشارك فيها الى جانب خبراء، ومختصين جيولوجيين وبيئيين، هيئات من المجتمع الأهلي في بيروت والمناطق المحيطة بمرج بسري.
ب – تغيير وجهة قرض البنك الدولي، كما تم في أوضاع مماثلة، في المغرب، ونينامار. وإعطاء الأولوية لمواجهة تبعات كورونا، والتخفيف من حدة الفقر والعوز،بعد ان ناهزت النسبة 50 % من العائلات اللبنانية، ودعم الأسر المحتاجة، وكذلك دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة،
. ج- معاجة الهدر في شبكة توزيع المياه والبالغة نسبته 48%
د- إصلاح قطاع المياه الجوفية: حيث يوجد في بيروت اكثر من 80 الف بئر، منها المرخص ومنها غير المرخص.
– ه- مياه الدامورهي البديل الافضل لبيروت من مياه سد بسري، ومياه الليطاني، لسد احتياجات بيروت من مياه الشفة. ان مياه الدامور هي، الأنقى، والأقرب جغرافيًا، والأوفر ماليًا، حيث لاتتجاوز كلفة استجرارها ثلث كلفة سد بسري، وفقا لأبحاث ودراسات المهندس الجيولوجي فتحي شاتيلا، رحمه الله، وهي ابحاث ودراسات اجراها بالتعاون مع بعثات المانية ومواقف اطلقها ومستمرة من بعده من خلال جمعية "مياهنا" التي أسسها وتضم خبراء ومختصين إلى جانب العديد من الفعاليات والشخصيات والهيئات البيروتية.
ختاما، فإننا في مجلس بيروت في المؤتمر الشعبي اللبناني، ندعوالحكومة الى التراجع عن قرارها استئناف العمل في مشروع بسري، لأن التراجع عن الخطا فضيلة، ولأنها في تراجعها تكون منسجمة مع مواقف غالبية الخبراء، واهل العلم والاختصاص، ومع مطالب الانتفاضة الشعبية و مع مطالب أهالي وسكان بيروت وقرى وبلدات مرج بسري.