بعد 52 عاما:عدوان “إسرائيل” وعداء الغرب(خليل الدبس)
بقلم خليل الدبس* – الحوار نيوز
ما أشبه اليوم بالأمس. فلا شيء تغيّر منذ أن عمدت الرأسمالية العالمية إلى زرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بهدف السيطرة على المنطقة المهمة استراتيجيا واقتصاديا بالنسبة لممثليها. كما لم تتغير نظرة الأنظمة العربية التابعة إلى كيفية مواجهة العدوان ومن هم وراءه فعليا.
هذه خلاصة المقال الذي كتبه في 9/9/1972 القيادي في الحزب الشيوعي اللبناني خليل الدبس الذي رحل في شباط 1993 .
الحوارنيوز تعيد نشر المقال لراهنيته وتكريما للمناضل الدبس في ذكرى ميلاده. الملفت أن هذا المقال كتب منذ ما يقارب إثنين وخمسين عاما، وأننا إذا ما عمدنا إلى تغيير بعض الأسماء، يمكن للقارئ أن يظن أن الكاتب يتحدث عن الأيام القريبة الماضية.
وهذا نص المقال الذي نشر في افتتاحية صحيفة النداء الصادرة عن الحزب الشيوعي اللبناني:
الاعتداءات التي شنها الصهاينة أمس على لبنان وسوريا، بالإضافة إلى كونها حملة جديدة في سلسلة العدوان الإسرائيلي الإجرامي المدعوم من الامبرياليين، وبخاصة أميركا، تميزت هذه المرة بدرجة قصوى من البربرية إذ استهدفت مناطق عدة وواسعة، كما تعمدت قصف المناطق الآهلة بالسكان فأوقعت العديد من الضحايا بين الأطفال والنساء. وبلغت بربرية المعتدين حد إلقاء قنابل موقوتة كانت سبباً في وقوع المزيد من الضحايا، من قتلى وجرحى، خاصة بين الأطفال. هذا بالإضافة إلى قصف المستشفيات والمدارس.
وهذه البربرية، وهي إحدى الصفات الملازمة للمعتدين الصهاينة، تكشف هذه المرة عن فقدان الأعصاب والهستيريا اللذين يتحكمان بتصرف الصهاينة بعد حادث ميونخ، وما سبقه من تجدد العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة. وفقدان الأعصاب هذا يتجلى بوضوح أيضاً في التهديدات والتصريحات الهستيرية التي أطلقها كبار المسؤولين الصهاينة في اليومين الماضيين، من إعلان وقح للمطامع التوسعية إلى صيحات جنونية لمقاتلة الفدائيين “حتى الموت” وإعلان “مهمة الآن” على انها “تدمير” الفدائيين وليس “السلام”!
على ان ذلك كله ليس ما يميز وحده الاعتداءات الوحشية الأخيرة. فهذه الاعتداءات ترتبط ولا شك بالظروف الراهنة التي تعاني منها المنطقة العربية، ظروف التراجع في حركة التحرر العربية نتيجة تزايد نشاط القوى اليمينية وتصاعد التآمر الرجعي.. ظروف ما تتركه من عواقب سياسة إضعاف روابط الصداقة والتعاون مع أصدقائنا وحلفائنا الحقيقيين، مع الاتحاد السوفياتي سندنا الأساسي والقوي، والتوجه نحو الغرب، نحو “أوروبا الغربية” وأميركا، ومساومة هذه الدول الامبريالية بحجة محاولة كسبها إلى جانبنا، بينما لا تؤدي مثل هذه السياسة في الواقع إلا لتشجيع هذه الدول المعادية لقضيتنا على ممارسة المزيد من الضغوط على البلدان العربية ودفع “إسرائيل” لشن المزيد من الاعتداءات البربرية بهدف إخضاع حركة التحرر العربية وفرض الاستسلام على الشعوب العربية. وليس مجرد صدفة ان تأتي هذه الاعتداءات الجديدة في أعقاب حملة التحريض المسعورة ضد العرب والتي ساهم فيها نيكسون بالدعوة صراحة إلى اتخاذ إجراءات “قمعية” بحجة مواجهة “الإرهاب”. وهذا ما يضع هذه الاعتداءات وحملات الضغط والتهديد في الإطار الذي لم ولا نخرج منه: محاولة فرض الاستسلام على العرب وتصفية القضية الفلسطينية وتشجيع النشاط الرجعي التآمري بهذا الهدف.
ومن هنا ان هذه الاعتداءات، التي تكشف مدى الخطر الذي ترتديه محاولات المساومة مع الغرب، تطرح مجدداً، وبإلحاح أشد، مهمة تعزيز العلاقات مع أصدقاء العرب الحقيقيين، كما تطرح بشكل خاص مهمة تشديد النضال الحازم ضد الامبرياليين، وضد أميركا بشكل خاص، وبالأخص ألا يبقى الموقف المعادي لأميركا في حدود الكلام الذي لا طائل تحته، وان ينتقل إلى نطاق الفعل والتصدي الجدي والحازم لمواقف أميركا ومصالحها في المنطقة.
وتجدد الاعتداءات الإسرائيلية ضد لبنان وبهذا الشكل البربري، يطرح مجدداً السؤال الذي لم يجد جوابه بعد.. يطرحه رغم القناعة التي تزداد مع الأسف، يوماً عن يوم، بأن لا حياة لمن تنادي. يطرح السؤال: متى يستفيق المسؤولون، ومتى يفكرون باتخاذ أبسط ما يفرضه واجب الدفاع عن الوطن والمواطنين من إجراءات؟ متى يفكرون بوضع وتنفيذ سياسة دفاعية جدية مدروسة فلا يبقى لبنان ضحية الاعتداءات الإسرائيلية، وضحية فضيحة إنعدام السياسة الدفاعية، وضحية فضائح “السياسة الدفاعية” وصفقات الأسلحة التي يبدو ان مهمتها في هذا البلد توفير العمولات وليس تأمين الدفاع؟ بل متى يتخذ لبنان موقفاً حازماً ضد أعدائه الذين يسمونهم، ويا للفضيحة، “أصدقاء” وهم أصدقاء “إسرائيل” وحماتها؟ أم لعلنا سنسمع غداً، بعد انتهاء جلسة مجلس الأمن التي دعت إليها الحكومة اللبنانية، إشادة من مسؤوليها بأميركا “الصديقة” رغم مواقفها العدائية.
*قيادي في الحزب الشيوعي اللبناني توفي في شباط 1993