بعد ستة أشهر: حكومة دياب تستقيل بمضبطة إتهام
هي اكثر من كلمة استقالة، هي أقرب لمضبطة إتهام لكل الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ العاد ١٩٩٠ ولتاريخه.
"الحوارنيوز" تنشر النص الكامل لكلمة رئيس الحكومة حسان دياب والتي أعلن فيها إستقالة حكومته بعد ستة اشهر على نيلها الثقة ( ١١ شباط ٢٠٢٠).
النص الكامل:
ما نزال نعيش هول المأساة التي ضربت لبنان. هذه الكارثة التي أصابت اللبنانيين في الصميم، والتي حصلت نتيجة فساد مزمن في السياسة والإدارة والدولة.
قلت سابقاً، إن منظومة الفساد متجذّرة في كل مفاصل الدولة، لكني اكتشفت أن منظومة الفساد أكبر من الدولة، وأن الدولة مكبّلة بهذه المنظومة ولا تستطيع مواجهتها أو التخلّص منها.
انفجر أحد نماذج الفساد في مرفأ بيروت، وحلّت المصيبة على لبنان، لكن نماذج الفساد منتشرة في جغرافيا البلد السياسية والإدارية، والخطر كبير جداً من مصائب أخرى مختبئة في عقولٍ وعنابر كثيرة بحماية الطبقة التي تتحكّم بمصير البلد وتهدّد حياة الناس، وتزوّر الحقائق، وتعيش على الفتن وتتاجر بدماء الناس في ساعات التخلّي التي تتكرّر بحسب المصالح والأهواء والحسابات والارتهانات المتقلّبة.
اليوم نحن أمام مأساة كبرى، وكان يفترض من كل القوى الحريصة على البلد وعلى مصالح الناس، أن تتعاون من أجل تجاوز هذه المحنة، بأيام صمت حداداً على أرواح الشهداء، باحترام حزن الثكالى والآباء والأشقاء والأيتام، بمساعدة الناس، ببلسمة جراحاتهم، وتأمين سكن لهم، ومساعدة الذين فقدوا مصادر أرزاقهم.
حجم المأساة أكبر من أن يوصف، لكن البعض يعيش في زمن آخر، لا يهمه من كل ما حصل إلا تسجيل النقاط السياسية، والخطابات الشعبوية الانتخابية، وهدم ما بقي من مظاهر الدولة.
كان يفترض أن يخجلوا من أنفسهم، لأن فسادهم أنتج هذه المصيبة المخبّأة منذ سبع سنوات، والله أعلم كم من مصيبة يخبئون تحت عباءة فسادهم.
لكن هؤلاء اعتادوا التغيير في مواقفهم لتزوير الحقائق، بينما المطلوب هو تغييرهم لأنهم هم المأساة الحقيقية للشعب اللبناني.
غيّروا وتبدّلوا كثيراً في السابق، في كل مرة تلوح فيها آفاق التخلّص من فسادهم.
هؤلاء لم يقرأوا جيداً ثورة اللبنانيين في 17 تشرين الأول 2019. تلك الثورة كانت ضدهم، لكنهم لم يفهموها جيداً. استمروا في ممارساتهم وحساباتهم، وظنّوا أنهم يستطيعون تمييع مطالب اللبنانيين بالتغيير، وبدولة عادلة وقوية، وقضاء مستقل، وبوقف الفساد والهدر والسرقات، ووضع حدّ للسياسات المالية التي أفرغت خزينة الدولة، وأهدرت ودائع الناس، وأوقعت البلد تحت أعباء دين هائل، تسبّب بهذا الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي.
لكن المفارقة الأكبر، أن هؤلاء، وبعد أسابيع على تشكيل هذه الحكومة، حاولوا رمي موبقاتهم عليها، وتحميلها مسؤولية الانهيار والهدر والدين العام…
فعلاً يلي استحوا ماتوا.
لقد بذلت هذه الحكومة جهداً كبيراً لوضع خريطة طريق لإنقاذ البلد.
كل وزير في هذه الحكومة أعطى أقصى ما عنده، لأننا حريصون على البلد، وحريصون على مستقبله، وعلى مستقبل أبنائنا فيه.
ليست لنا مصالح شخصية، كل ما يهمنا هو إنقاذ البلد، وقد تحمّلنا لأجل هذه المهمة الكثير من حملات التجنّي والاتهامات. لكننا رفضنا استدراجنا إلى سجالات عقيمة، لأننا كنا نريد العمل. مع ذلك، لم تتوقّف الأبواق المسعورة عن محاولات تزوير الحقائق، لحماية نفسها، وتغطية ارتكاباتها.
حملنا مطلب اللبنانيين بالتغيير. لكن بيننا وبين التغيير جدار سميك جداً، وشائك جداً، تحميه طبقة تقاوم بكل الأساليب الوسخة، من أجل الاحتفاظ بمكاسبها ومواقعها وقدرتها على التحكّم بالدولة.
قاتلنا بشراسة وشرف، لكن هذه المعركة ليس فيها تكافؤ. كنّا وحدنا، وكانوا مجتمعين ضدنا. استعملوا كل أسلحتهم، شوّهوا الحقائق، زوّروا الوقائع، أطلقوا الشائعات، كذبوا على الناس، ارتكبوا الكبائر والصغائر… كانوا يعرفون أننا نشكّل تهديداً لهم، وأن نجاح هذه الحكومة يعني التغيير الحقيقي في هذه الطبقة التي حكمت دهراً حتى اختنق البلد من روائح فسادها.
اليوم وصلنا إلى هنا، إلى هذا الزلزال الذي ضرب البلد، مع كل تداعياته الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية. همّنا الأول هو التعامل مع هذه التداعيات، بالتوازي مع تحقيق سريع يحدّد المسؤوليات ولا تسقط فيه الكارثة بمرور الزمن.
نحن اليوم نحتكم إلى الناس، إلى مطلبهم بمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة المختبئة منذ سبع سنوات، إلى رغبتهم بالتغيير الحقيقي من دولة الفساد والهدر والسمسرات والسرقات، إلى دولة القانون والعدالة والشفافية. إلى دولة تحترم أبناءها.
أمام هذا الواقع، نتراجع خطوة إلى الوراء، للوقوف مع الناس، كي نخوض معركة التغيير معهم. نريد أن نفتح الباب أمام الإنقاذ الوطني الذي يشارك اللبنانيون في صناعته.
لذلك، أعلن اليوم استقالة هذه الحكومة.
الله يحمي لبنان.. الله يحمي لبنان.. الله يحمي لبنان
عشتم وعاش لبنان