كتب حلمي موسى من غزة:
على الرغم من الفيتو الأميركي ضد الحق الفلسطيني الاصيل بدولة على ارضه واعتراف دولي بذلك، كان التصويت في مجلس الأمن الدولي الليلة الماضية انتصارا لفلسطين. فقد حصل الفلسطينيون على أغلبية في التصويت لقبولهم كدولة عضو في الأمم المتحدة، لكن الولايات المتحدة عارضت ذلك، ففشل الاقتراح. وصوتت لصالح القرار 12 دولة، من بينها فرنسا واليابان، وامتنعت سويسرا وبريطانيا عن التصويت. وفي المناقشة نفسها غادر المندوب الإسرائيلي أردان الجلسة بغضب قائلا: “مثل التحدث إلى حائط”.
وكان واضحا ان لا حاجة لانتظار ما بعد منتصف الليل لمعرفة ما إذا كان مجلس الأمن الدولي سيقرر قبول فلسطين عضوا كامل الحقوق والواجبات في الأمم المتحدة أم لا. فأغلب دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، تعلن رغبتها في حدوث ذلك إلا أن أغلب دول العالم، ما عدا الولايات المتحدة، تريد أن يتم ذلك عبر الأمم المتحدة.
أمريكا، وطبعا إسرائيل ضمنا، لا تريد لهذه الخطوة أن تعبر عن إرادة دولية وإنما تريدها خطوة هي وحدها من يقوم بتسهيلها إذا توفرت القدرة على تلبية المصالح الأميركية “والا”سرائيلية. “والا”هم أن الفيتو الأميركي جاهز لوأد مشروع القرار حتى وإن أيده كل أعضاء المجلس، لأن إدارة بايدن وإسرائيل لا تريدان ذلك. وطبيعي أن يضع هذا الفيتو علامة استفهام كبيرة على كل مساعي أمريكا لإظهار أنها تتعامل بنزاهة مع الصراع العربي بقصد إيجاد حل مقبول له.
وهكذا فيما تستخدم الفيتو، وبشكل يعبر عن ازدواجية التعامل مع الشأن الفلسطيني، تواصل إدارة بايدن حوارها مع حكومة نتنياهو حول “أفضل السبل” لاجتياح مدينة رفح عبر تجنب إحداث كارثة إنسانية يحذر منها أغلب العالم. وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية النقاب عن اجتماع بشأن رفح مقرر عقده الليلة الفائتة بين مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان وعضو كابينت الحرب الإسرائيلي الوزير رون دريمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي. ولا تزال جهات أمريكية تعرب عن قلقها من احتمالات أن يقود اجتياح رفح إلى إيقاع كارثة إنسانية كبيرة بالمدنيين الفلسطينيين.وأشار اثنان من المسؤولين الأميركيين، وفق موقع “والا”، إلى أن هدف الاجتماع هو مواصلة البحث في التحرك البري المحتمل للجيش الإسرائيلي.ويعتبر هذا هو الاجتماع الثاني بين المسؤولين الأميركيين “والا”سرائيليين بشأن رفح بعد أن غدا موضوع رفح مدخلا لجدال واسع بين الطرفين.
وذكر موقع “والا” الإخباري أنه في الأسابيع الأخيرة، منذ الاجتماع الافتراضي السابق، جرت عدة مناقشات بين الطرفين في مجموعات عمل ذات مستوى أدنى، قدمت خلالها إسرائيل الخطة العملياتية للجيش الإسرائيلي للعمل في رفح بالإضافة إلى الخطط الإنسانية التي سيتم تنفيذها أثناء العمليات البرية في المدينة. ونقلت عن أحد كبار الأميركيين أن الخطط التي قدمها الجيش الإسرائيلي إلى وزارة الدفاع الأميركية تضمنت عملية بطيئة وتدريجية في رفح – حياً تلو الآخر – وليس غزواً شاملاً للمدينة بأكملها. وقال المسؤول الأميركي إنه بحسب الخطة الإسرائيلية التي عرضت على الأميركيين، لن يكون من الضروري إخلاء جميع المواطنين من المدينة على الفور، بل سيتم إخلاء كل حي على حدة.
وكان الأميركيون في الاجتماع الأول قد أفصحوا عن غضبهم من أسلوب الحرب الإسرائيلية، وخصوصا من ادعائهم بأن عمليتهم “جراحية” وأنها تختلف عن كل طريقة أداء الجيش الإسرائيلي في الماضي. ومعروف أن نتنياهو جعل من مهاجمة رفح عنوانا لشعاره حول “النصر المطلق”، وأن هذا الهجوم بوابة هذا الانتصار. وأكثر نتنياهو من الحديث عن أن من يمنعون إسرائيل من دخول رفح يمنعونها فعليا من تحقيق النصر. ولكن الأميركيين كانوا يردون على ذلك بأن الفارق كبير بين نوايا إسرائيل ونتائج أفعالها على الأرض.
أما موقع أكسيوس الأميركي فقد نشر أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تعقدان اجتماعاً بالفيديو عن بعد رفيع المستوى، يوم الخميس، للتباحث في عملية عسكرية يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها في رفح جنوبيّ قطاع غزة وعارضتها واشنطن ودول غربية داعمة لتل أبيب بسبب كلفتها البشرية. ونقل الموقع الأميركي عن مسؤولين أميركيين نفيهم بشكل قاطع لما جرى تداوله في الفترة الأخيرة عن منح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الضوء الأخضر لإسرائيل لاجتياح رفح، مقابل عدم ردّها على الهجوم الإيراني الأخير الذي وقع السبت الماضي.
وكانت صحيفة “العربي الجديد” في وقت سابق قد نقلت عن مصدر مصري قوله إنّ “الإدارة الأميركية أبدت تقبلاً للخطة التي سبق وقدمتها حكومة الاحتلال بشأن العملية العسكرية في رفح، في مقابل عدم تنفيذ هجوم واسع على إيران”. ولفت إلى أنّ “الخطة الإسرائيلية تعتمد على أسلوب الإزاحة، عبر تقسيم رفح إلى مربعات مرقمة، بحيث يُستهدَف مربع تلو الآخر، بما يدفع الموجودين فيه إلى التحرك بعيداً عنه، وبالتحديد نحو خانيونس، ومنطقة المواصي”.
وقال دبلوماسي غربي بارز، لـ”العربي الجديد”، إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “استطاع عبر مناورة سياسية، الحصول على تسهيلات أميركية لمصلحة العملية العسكرية في رفح، التي لم تكن تحظى بترحيب أميركي في هذا التوقيت، وذلك في مقابل التراجع عن تنفيذ عمل عسكري واسع ضد إيران، رداً على هجومها الأخير”. واعتبر أنّ “الحديث عن رد إسرائيلي على إيران، على عكس رغبة الإدارة الأميركية، لم يكن واقعياً، في ظل قناعة تل أبيب بأنّ الولايات المتحدة كانت صاحبة الدور الأكبر في صدّ الهجوم الإيراني وعدم نجاحه”.
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الخميس، بأنّ الفرقة 162 في الجيش استكملت عمليتها العسكرية في مخيم النصيرات ومشارفه وسط قطاع غزة، فيما يستعد الجيش للتوجه إلى رفح، دون تحديد موعد محدد للعملية.
من جانبها، نشرت هيئة البث الإسرائيلي (كان)، مقطع فيديو، لقائد الكتيبة 932 في لواء “ناحال”، وهو يهيئ جنوده لاجتياح رفح، حيث قال في الفيديو: “شعب إسرائيل يعتمد عليكم. افعلوا ذلك على أفضل نحو ممكن، كما في النصيرات، والزيتون، ودرج التفاح ومستشفى الشفاء، (سنفعل ذلك) في رفح أيضاً. نحن متوجهون إلى رفح وسنضربهم بقوة”.