منوعاتوفيات

بشرى عبد الصمد.. الفتاة التي صنعت نفسها بنفسها(نجيب نصر الله)

 

كتب نجيب نصر الله – خاص الحوار نيوز

 

قد لا تكون المطابقة بين القول والفعل بالأمر الهيّن، لكنها أيضاً ليست بالأمر المستحيل ولا حتى الصعب. الأمر منوط برغبة الاتساق مع الذات واحترامها. ومن باب الاختصار، يمكن القول إن لكل من هذين الخيارين (المطابقة أو خلافها) كلفة وعوائد.

 

 فالمطابقة، على نسبيتها المؤكدة، تستلزم، أول ما تستلزم، معاكسة السائد ومخالفته وصولاً إلى حد مواجهته والتغلب عليه. وفي هذا الميدان يسجّل للراحلة بشرى عبد الصمد أنها كثيراً ما نجحت في الجمع، غير السهل، بين القول والفعل، وهو، في الواقع، مما يصعب، في العادة، على كثيرين الوصول إليه، لا لكلفته وحسب بل لما ينجم عنه من مسؤوليات لاحقة تجاه الذات والآخرين.

 

 فالفتاة التي كان بإمكانها، وبسهولة ما بعدها سهولة، الاتكاء على الواقع السائد ونيل ما تريد ساعة ما تريد ووفق ما تريد اختارت تحدٌيه ومواجهته وصولاً إلى… قهره. وهو ما حصل في أكثر من تحدٍ خاضت غماره بشجاعة وإقدام تحسد عليهما، ودليل ذلك محطات حياتها الحافلة، وما تخلّل هذه المحطات من معارك ومواجهات أفضت، في مجموعها العام، إلى الكسر الفعلي وليس اللفظي مع «المألوف»، أي مألوف، بل ومع كل ما يتصل به أو يتفرع عنه من استنقاع قيمي وإنساني…

فمن المألوف الاجتماعي أو الثقافي المهيمن إلى غيره من المألوفات التي تحاصر وجود الأفراد والجماعات، شقّت بشرى طريقها الخاص الذي أفضى بها، في نهاية المطاف، إلى جعلها تشبه تمام الشبه ما كانت تنادي به، أو تسعى إليه. وفي ذلك مأثرة وإنجاز فعلي يمكن لكل محب أو صديق أن يعزّي نفسه به. فالفتاة التي أراد لها السائد، على عادة ما يحصل، أن تحمل وزر الموروث وتسلّم بمقتضياته وتبعاته التي لا تنتهي، أبت الرضوخ وقررت، بدلاً من ذلك، وعوضاً عنه، صنع نفسها بنفسها في كل ما له علاقة بوجودها الخاص فضلاً عن العام. وهي حين قررت فعل ذلك، وهنا المعنى العميق الذي يجدر تأمله، فإنها لم تفعله بعيداً عن الموروث فحسب، بل في أحيان كثيرة بالضد منه، وفي مواجهته.

يبقى أن يقال إن المثال الذي صنعته بشرى عبد الصمد لا بد وأن يجد له صدى وتتمة في كثير من الشباب الذي يحمل عناء اللحظة وتعقيداتها، أو يتطلع إلى عالم أقل جوراً ووحشية. لذلك، يمكن المجازفة والدعوة إلى تجاوز الحزن الذي يفرضه الرحيل الصادم والمؤلم، والاحتفاء اليومي بالوجود القصير الذي أشعل قلوب معارفها بالحب، وعلّم من يجدر به التعلّم كيفية الاتساق مع النفس حتى… النَفَس الأخير.

فالحزن، على حتميته التي لا جدال فيها، قد لا يكون بالفعل الذي يرضي الراحلة. بل يمكن الافتراض أن ما يمكن أن يرضيها، هي التي انتخبت عيشها وزيّنت دقائقه وساعاته بكل ما هو حرّ وجميل، لا يقل عن واجب اقتفاء الأثر الذي تركته في غير قلب وغير عقل وغير وجدان. وأول الأثر الواجب اقتفاؤه وربما آخره هو التمعن العميق ومحاولة الإحاطة بدلالات ومغازي وصيتها البليغة والمؤثرة بأن ترقد إلى جانب شهداء فلسطين في «مثوى شهداء فلسطين» في لحظة ولادة فلسطينية متجددة.

نجيب نصرالله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى