رأي

برّي ميزان العقل والتعقل والوحدة الوطنية (العميد بهاء حلال)

العميد الركن د. بهاء حسن حلال – الحوارنيوز

حين نتحدث عن رجال الدولة الحقيقيين في لبنان، لا يمكن أن يغيب اسم الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، عن الصفحة الأولى من تاريخنا المعاصر. رجلٌ لم يكن شاهدًا على المحطات العصيبة فحسب، بل كان صانعًا في قلبها، وممسكًا بميزان العقل والوحدة عندما تفرّقت السبل وتشظّى الوطن.

إنه نبيه بري، الرجل الذي استطاع أن يثبّت المجلس النيابي كمرجعية وطنية لا غنى عنها في إدارة شؤون الدولة اللبنانية، حتى في أصعب اللحظات وأحلك الظروف. صموده في وجه التحديات، ومرونته الحاسمة في إدارة الأزمات، جعلا منه شخصية توافقية يُجمع المختلفون على حكمته، ويقفون عند رأيه، إذا استعصى المخرج وضاق الأفق.
دولة الرئيس لم يكن يومًا مجرّد رئيس لمجلس نيابي، بل كان وما زال مرجعية دستورية وقانونية، بفهمه العميق للنصوص، وقدرته على المواءمة بين النص والواقع، بين الثابت والمتحوّل. وفي كل استحقاق تشريعي أو سياسي، كان يبرهن أنه حارس التوازن، وراعي الحوار، وحامي السلم الأهلي.
لقد أسهم الرئيس نبيه بري في صوغ الحياة التشريعية اللبنانية، ورسّخ ثقافة الحوار بديلاً عن الانقسام، وشكّل بعقله الوطني خطّ الدفاع الأول عن وحدة لبنان وسيادته واستقراره. وفي كل مرّة تهتز فيها المعادلات، كان صوته هو العقل الهادئ الذي يعيد ترتيب الأوراق، ويضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
وما كان للرئيس نبيه بري أن يكون أحد أعمدة الداخل اللبناني فقط، بل تخطّى حضوره الحدود، ليكون لاعبًا إقليميًا ووجهًا وطنيًا مشرّفًا في المحافل الدولية. فقد عُرف بدوره الفاعل في الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وكان من الأصوات اللبنانية القليلة التي بقيت ثابتة على خيار دعم المقاومة (والتي هو من مؤسسيها اصلا) ضد الاحتلال الإسرائيلي، دون مواربة أو تردد.

كما شكّل جسراً من التوازن بين الشرق والغرب، واحتفظ بعلاقات متينة مع العواصم الفاعلة، مستثمرًا موقعه النيابي والدستوري في تعزيز حضور لبنان دوليًا. فكان صوته يسمع في قمم البرلمانات الدولية، ومداخلاته تشكّل مرجعية في مقاربة قضايا السيادة والعدالة والكرامة الوطنية.
دوره في الاتحاد البرلماني العربي والاتحاد البرلماني الدولي» لم يكن تمثيليًا فحسب، بل كان قياديًا، حيث ساهم في ترسيخ موقع لبنان كمنصة حوار وتلاقي بين الشعوب والبرلمانات. لقد حمل همّ لبنان والجنوب والمقاومة إلى المنابر كافة، واستطاع أن يكرّس صورته رجلَ حوارٍ وصلابةٍ في آن.

هو مدرسة في السياسة، ونموذج في الثبات على المبادئ، وفي الوقت نفسه، فنّان في اجتراح الحلول وصناعة التسويات. لا يهاب الرياح، ولا يتراجع عن ثوابت المقاومة والدولة والمؤسسات. إنه بحق، رجل الدولة الذي لا يُستبدل.

في زمن التهافت، يبقى نبيه بري هو الثابت، هو الميزان، هو صمّام الأمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى