الحوارنيوز – الأخبار
تحت هذا العنوان كتب خضر خروبي يقول:
منذ تواتر الأنباء عن تحقيق اختراق على صعيد إنهاء التمرّد الذي قادته مجموعة «فاغنر» الروسية، عبر وساطة مينسك، تداعت الأقلام لمحاولة استشراف أفق ما بعد موافقة زعيم «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، على مغادرة بلاده باتجاه الأراضي البيلاروسية، وما أُشيع عن موافقة الحكومة الروسية على إيقاف الملاحقة القضائية بحقه وبحق أفراد مجموعته. وأتى ذلك في وقت بدا فيه قادة الغرب في حيرة من أمرهم لناحية تقدير معالم المرحلة المقبلة، خصوصاً أن بعض الدوائر السياسية والأكاديمية لا تزال تبدي قلقها من احتمال أن يكون ثمن إسقاط نظام فلاديمير بوتين، هو سقوط روسيا برمّتها في سيناريو من الفوضى الشاملة في توقيت حرج بالنسبة إلى كل من موسكو والغرب، اللذين يقتربان أكثر فأكثر من حرب مباشرة ونووية.
وفي إطار هذا الجدل، تساءل مصدر استخباري أوروبي رفيع، في حديث إلى صحيفة «واشنطن بوست»، عن سبب انتهاء هذا الصراع سريعاً، وضمن أي شروط، متوقفاً عند مغزى طرح الحل التفاوضي من طريق من وصفه بـ«دمية بوتين» في إشارة إلى الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو. ويعرب المصدر عن شكوكه في ما إذا كانت حالة السلم ستستمر، مستبعداً أن يعمد «قائد التمرد» إلى الاستكانة في وجهته على الأراضي البيلاروسية. وبحسب المصدر نفسه، فإن الأخير «إمّا سيُقتل أو سيستمر في تحديه للمؤسسة العسكرية الروسية من خارج الحدود». والجدير ذكره، هنا، أن بريغوجين ادّعى، أمس، في أول تصريحات له عقب إنهاء تمرده، أن لوكاشينكو عرض على «فاغنر» خيارات تُمكّنها من مواصلة نشاطها، مبرراً قبوله التسوية بأنه «عندما فهمنا أن الدماء الروسية ستراق، قررنا أن نعود أدراجنا»، مدافعاً بأن «هدفنا كان لفت الانتباه إلى محاولات حل قوات فاغنر، وليس الانقلاب على السلطة السياسية في البلاد».
في المقابل، يعرض مسؤول استخباراتي أوكراني روايته في شأن أسباب تراجع بريغوجين عن تمرده، لافتاً إلى أن تقديرات كييف تفيد بأن زعيم المرتزقة ربما لم يكن على ثقة تامة بفرص نجاحه في مسعاه. ويعرب المسؤول الأوكراني عن اعتقاده بأن الرجل «أخطأ في تقدير إمكانية حصوله على دعم عسكري» من قبل الجيش الروسي للسيطرة على العاصمة موسكو. وأضاف أن بريغوجين «ربما يكون قد سعى لإجراء اتصال هاتفي مباشر مع بوتين، لكنه لم يتلقّ أي رد، وهو ما بعث بإشارة قوية للغاية إليه بأن رئيسه لن يستجيب لمطالبه (المتصلة بخلافاته مع شويغو وغيراسيموف) بهذه البساطة». وحتى في حالة إصدار بوتين قراراً بإقالة شويغو، فإن الأمر لن يكون نزولاً عند رغبة بريغوجين، بقدر ما يتعلق بحقيقة ضعف شويغو، وفق المصدر. وبالحديث عن تداعيات الانقلاب على مسرح الحرب في أوكرانيا، يمكن القول إنه في حال نجاح كييف في استعادة باخموت، فإن الأمر سيشكل حرجاً بالغاً للجيش الروسي، ذلك أنه سيجعل قياداته تبدو عديمة الكفاءة وعناصره أقلّ فاعلية واحترافية من «فاغنر»، علماً أن الشركة ينسب إليها الدور الأكبر في السيطرة على مدينة ينظر إليها عامة الروس على أنها الإنجاز الأهم في ساحة المعركة خلال عام.
أما على المقلب الروسي، فمن المؤكد أن التطورات الأخيرة انعكست على معنويات الجنود الروس المتمركزين على الجبهات، بالنظر إلى أن ما جرى نكأ جراحاً من عمر الحرب، في شأن فعالية الاستراتيجية المتبعة من قبل بوتين في إدارة المعركة. كذلك، يشير محللون إلى أن تجرؤ بريغوجين على مهاجمة أعلى قمة هرم قيادة الجيش، ممثلة برئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، والتحرك ضدها بأدوات عسكرية، ومن قبله التطاول على مؤسسة الرئاسة عبر إطلاق مواقف تشكيكية في منطلقات «العملية العسكرية الخاصة» ومسارها، كلّ ذلك كشف عن مواطن ضعف في النظام السياسي الروسي، فيما ترك آثاراً واضحة على هيبته، كونه أظهر خصوصاً خللاً في قدرة بوتين على ضبط إيقاع التوازنات بين أجنحة حكمه المتضاربة في مصالحها، رغم تقاطعها على الولاء له.
وعن التعامل المتوقّع من جانب بوتين مع تلك التحديات، فإنه من المرجّح أن يعمد «القيصر»، خلال الأسابيع المقبلة، إلى إطلاق ورشة لتعزيز قواته، أو حتى إجراء عملية تطهير أو إعادة هيكلة في صفوف قياداتها وضباطها، بغية معالجة الثغرات التي تعاني منها، أو إعلان تعبئة عامة جزئية جديدة، أو ربما إقالة كل من غيراسيموف، وشويغو، في ضوء ما أظهرته مشاهد ترحيب مواطنين روس ببريغوجين ورجاله في مقاطعة روستوف من وجود حالة من الاحتضان الشعبي للرجل، من جهة، وما بثّته من خشية لدى الحكومة الروسية من تعاطف عناصر وضباط من الجيش مع التمرد الذي قاده، من جهة ثانية. وعلى المستوى السياسي، يدور الحديث عن تشدّد أكبر سوف ينحو إليه بوتين في مقاربته لملفات الحكم والإدارة، وسط تقديرات بأن الرجل لم يعد يملك ترف الوقت في لعبة «عضّ الأصابع» الدائرة بينه وبين الغرب، لحسم حربه في أوكرانيا، بما يسمح له بالتفرّغ لمعالجة تداعياتها على المعادلة الداخلية في روسيا على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية. ومع ذلك، لا تخلو تلك الخيارات من محاذير، ولا سيما في شقها العسكري، في ظل انخراط روسيا في حرب فعلية لا تترك مجالاً واسعاً لإجراء تعديلات جوهرية كبرى، فضلاً عن أن المزاج الشعبي راهناً، قد لا يتسامح مع أي تدابير يراها قمعية، وغير مقنعة سياسياً.
من المؤكد أن التطورات الأخيرة انعكست على معنويات الجنود الروس
أما في ما يخص مصير شركة «فاغنر»، فإن السيناريوات تتضارب حوله، بين من يرى أن الرئيس الروسي سيدمج عناصرها في صفوف قواته المسلحة، ومن يعتقد أنه سيلجأ إلى تصفيتها تدريجياً لصالح الاستعانة بقوات غير نظامية أخرى على غرار «قوات أحمد» التابعة للرئيس الشيشاني رمضان قديروف. لكن أغلب الظن أن بريق الشركة الأمنية الذائعة الصيت، والتي تضطلع بأدوار بالغة الأهمية على مستوى الاستراتيجية العامة للبلاد حول العالم، وخصوصاً في القارة الأفريقية، سيتراجع تدريجياً خلال الفترة المقبلة، بعدما وصل مجدها إلى الذروة قبل الأحداث الأخيرة. وعلى الرغم من حيوية ما تؤديه «فاغنر» من أدوار خارجية، فمن الواضح أن خطرها الداخلي بات أكبر من أي مكاسب لبوتين، الذي يبدو أكثر من أي وقت مضى معنياً بتأمين الساحة الداخلية، قبل إعادة تركيز أنظاره على أوكرانيا.
بوتين: لم ننجرّ إلى قتال أراده الغرب
في ثاني خطاب له، بعد ثلاثة أيام على «تمرّد» رئيس مجموعة «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنه أعطى أوامر بـ«تجنب إراقة الدماء» بخلاف ما كان يرغب به الغرب وأوكرانيا لدى تمرّد المجموعة. وإذ أشار إلى أن هذه الخطوات «استغرقت وقتاً (…) لمنح أولئك الذين ارتكبوا خطأً فرصة لتغيير رأيهم»، رأى أن «التضامن المدني أظهر أن أي ابتزاز ومحاولات لإحداث اضطرابات داخلية مصيرها الفشل». وأثنى بوتين، في خطاب متلفز، على «وطنية» الروس، مشيداً بأن «الجمهور والأحزاب والمنظمات الدينية والمجتمع كله اتخذوا موقفاً حازماً بدعم النظام الدستوري». وشكر جنود «فاغنر» الذين رفضوا سفك الدماء، مشيراً إلى أن معظمهم أناس وطنيون «تمّ استغفالهم». وأضاف أن «منظّمي التمرد خانوا البلاد وخانوا من كان معهم»، بالإشارة إلى أن ذلك يحقّق رغبة كييف والغرب الذي أراد «اقتتالاً كهذا بين الأشقاء». وتوجّه إلى عناصر «فاغنر» قائلاً: «اليوم لديكم فرصة لمواصلة خدمة روسيا من خلال إبرام عقد مع وزارة الدفاع أو غيرها من وكالات إنفاذ القانون، أو العودة إلى عائلاتكم وأصدقائكم. وكل من يريد الذهاب إلى بيلاروس يمكنه ذلك».